لاشك أنها تجربةُ ُ ثرية أن تعيش متحملاً مسؤوليتك كشاب في فترة الدراسة ، وهناك ستكتشف معادن من حولك ورغماً عنك ستصقلك الحياة بحلوها ومرها . رغم كل ما يقوله المرء من ترهات عن جمال الغرب ورغبته في السكنى هناك ، الا أن رغباته تضعف مع قسوة الغربة ، والأشياء الصغيرة في الوطن تثقل في الميزان أمام أجمل المزايا الظاهرية هناك.. وكل مُنتٓقد أصبح اليوم مُفتقداً ، وما إن علمت بتخرجي إلا وحزمت حقائبي فوراً وسافرت في اليوم التالي لعدم وجود رحلة في اليوم نفسه! عدت وبدأت رحلة الإلتحاق بوظيفة العمر، استغرق ذلك سنوات عدة إلى أن بدأت الممارسة الفعلية : فحوصات طبية ، اختبارات نفسية ،لغة إنجليزية.. وأخيراً المقابلة الشخصية ، لازلت أتذكر وجوه لجنة فحص الطيارين : «شكراً سيصلك الرد» انتظرت خارجاً ولم أستطع العودة دون رد لأسرتي ،الى أن فرغ الكل وعرفت بنتيجتي ، ومع سنوات الانتظار وشدة الترقب تخفت الفرحة التي انتظرناها. حياة جديدة، تدريب ودراسة وتدريب وهكذا.. لا وقت لأي شيء غير ذلك حتى للمرض ! لذا يُحجِم المرض عن كثير منا في أوقات الحماس والمعنويات المرتفعة ، إلى أن تواتي الفرصة فينقض عليه مرة واحدة. والطيار يتدرج كمساعد طيار بطيران طائرة صغيرة ثم وسطى ثم طائرة عريضة البدن كما تسمى ثم لا يلبث أن يعود أدراجه كقائد للطائرة التي بدأ فيها أو مايشابهها، ولا أصل لما يتداول بتخصص الطيار في طيران داخلي أم خارجي ، ولكن يغلب على أن الطائرات الصغرى تطير في أجواءٍ قريبة والكبرى نظراً لحجمها وأدائها تُجدول لرحلاتٍ بعيدة . مهنة الطيران تُلزم صاحبها بالانضباط ، المرونة ، الغياب عن بعض المناسبات الاجتماعية، التقيد بمواعيد نوم مخالفة للناس. وعبور عدة خطوط زمنية مسألة مرهقة لذا تخضع جداولها لقوانين حسابية دولية صارمة لضمان سلامة الأجواء. وحرفة الطيران نافذة على العالم ، وكتاب مفتوح عن الشعوب وعاداتها، وقد قال الإمام الشافعي : تغرَّبْ عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تَفَريج همٍّ، واكتساب مــعيشة وعلم، وآداب، وصحبة ماجد وليس أمتع من أن يعمل المرء فيما يحب ، ومن لمس في ابنه شغفاً بعملٍ ما.. فليأخذ بيده ، ولايحرمه من ذلك بحجج واهية كصعوبة الإلتحاق ، وعدم وجود مستقبل لتلكم المهنة وغير ذلك.. والأعمار بيد الله ، وقيادة السيارة في بعض البلدان أخطر من ألف هبوط بمحرك واحد! وكثير ممن أُبتلينا بهم ممن يعطلون أمور البلاد والعباد .. يعملون في وظائف لايحبونها، فإن نحن وضعنا الشخص المناسب في المكان المناسب سنزيد من إنتاجية المجتمع وسنحفز على الإبداع ، وبمثل ذلك تنهض الأمم . دمتم بخير.
مشاركة :