إبداعات البوابة| الوصية قصة قصيرة للكاتبة أماني فهمي

  • 8/14/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

"كان علينا أن نطأ الأرض بأقدامنا، لا أن نطأ السماء بأحلامنا"؛ كانت هذه هى آخر كلماتها قبل أن تركب القارب وترحل في رحله لا نهائية لها بعد انتهاء رحلتها في الحياة على الأرض.اقتسم الورثة التركة، وتشاوروا كثيرًا قبل أن يقرروا تنفيذ وصيتها الأخيرة بأن يشتروا قاربًا جديدًا وجميلًا أقرب إلى التصميم الذى رسمته سريعًا بخطوط طفولية على نفس أوراق الوصية، وأن يضعوا فيه كثيرًا من الورود البيضاء، وأن يتركوها وإياه في عرض البحر.كانوا عندها قد قرروا فعلًا الدخول بالقارب إلى عرض البحر، وكان التابوت أو القارب جميلا ً جدًا، وكانت هى مبتسمة ابتسامة تنم عن سعادة وشيكة. قال أوسطهم: سوف يعرف اللصوص بالأمر، ويسطون على القارب والأمر الأسوأ أنهم ربما يقررون السطو على الجثة أيضا.همهمت زوجته وهى تعرف كثيرًا عن بخل زوجها: لكن هذه رغبتها ولابد من تنفيذها، لقد تركت لنا الكثير من المال فهل نبخل عليها بقارب؟!انتبه أحد الأطفال الذى أجبره والده على حمل كراسات الواجب المدرسي معه فالرحلة طويلة، وموعد الامتحانات يقترب، والعمة أصرت في وصيتها أن يودعها الجميع صغارًا وكبارًا، تساءل الطفل: القارب أرخص أم المقبرة؟لم يهتم أحد بسؤال الطفل فهو خارج المنهج، قال الأخ الأصغر: لو أخذنا القارب إلى أبعد مسافة في البحر، ثم نتركه هناك، أو لنشترى قاربًا به ثقب عندها سيغرق ولن يسرقه أحد.هتف أخ آخر ممتدحًا الفكرة: وهكذا ستغرق الجثة ولن يسرقها أحد.صاح الأخ الأكبر: ولم إذن شراء القارب؟ يمكننا إغراقها دون تحمل خسارة ثمن القارب.همهمت زوجته في سرها: يا للبخل!! لقد دفعت هي ثمنه وتركت لهم مقابل هذا الكثير.في كل الأحوال لم يكن هذا هو الوقت الملائم للنقاش، فقد تم شراء القارب واستئجار اللانش البحرى الذى يقلهم ويجر القارب، القارب الذى اختارت هى طرازه، طراز أقرب إلى التوابيت فلا يمكن لمن يراه عن بعد أن يعتقد أبدا أنه قارب.كانت الطفلة الأصغر في العائلة ترى أن شكل القارب سبب كافٍ لأن تتم سرقة العمة وجثمانها، لأن من سيجدونها سيظنون أن التابوت أثري، وأن المومياء أي عمتنا أيضا أثرية، وهكذا سنفقد عمتنا التى سوف يتم بيعها في المزادات، وستتبدل عليها أيادى لصوص الآثار حتى تصل إلى أروقة المتاحف وتعرض بقاعاتها، وتقمصت الطفلة الدور تماما وأكملت بفزع: تخيلوا أنه خلال زياراتنا المدرسية إلى المتاحف، ونحن الذين نظن أننا دفناها بحرًا هي والقارب، تفاجئنا جثة عمتنا معروضة في قاعات المتاجف. أكمل أخوها: سنصيح عمتنا عمتنا. تدخل الأخ الأكبر: وسيعتبركم الجميع مجانين، أصدقاؤكم ومدير المتحف والعمال والزوار والجميع دون استثناء، بل ربما تبادلنا الاتهامات بالجنون، بعضنا سيصدق أنها العمة ويدافع عن حقنا في الجثة والبعض الآخر سينعت المصدقين بالجنون.قالت ابنته: وسنخرج لهم من حقائبنا، صورها معنا، ومن بيوتنا ألبوماتنا وصورها في مراحل العمر المختلفة، لكنهم عندما سيقارنون بينها أي بين المومياء وبين الصور سيصلون إلى أن هذا نتيجة تناسخ أرواح وسيسألوننا أين عمتكم؟ أين مقبرتها؟ أين دفنت؟ أين جثتها؟أكمل الأخ الأصغر: وربما يبدأ التحقيق ويصل الأمر إلى اتهامنا جميعا أننا قتلناها، نعم سيقولون إننا نحن من قتل العمة من أجل الثروة، فلا يوجد شخص يموت ميتة طبيعية ولا توجد له مقبرة وجثة مدفونة فيها.قال الجميع بصوت واحد: سيتهموننا! ستكون كارثة.- فعلًا- بلا شك- والحل؟أتت الإجابة جماعية: أن ندفن العمة.قال الأخ الأكبر وهو يقرض أظافره: أوكلوا لي دفنها.أشعل سيجارة وأخذ نفسا عميقا وقال: ولا بأس لو تمكننا من بيع التابوت على أنه أثرى."وهذا ما قد كان"

مشاركة :