إبداعات البوابة| الطريقة المثلى للتقطيع قصة للكاتبة ليليت فهمي

  • 8/16/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بطريقة ما اكتشفت حبي لفعل التقطيع، الحقيقة كل أنواع التقطيع بدءًا من الخضروات وانتهاءً للأخشاب، وكان هذا مدهشًا للغاية؛ لما تثيره فكرة التقطيع تلك من تداعي لمخيلة عنيفة، فلا يمكنكم أن تنكروا أنكم فكرتم في الانتقام.. في القتل مثلًا ! فكرتم فور أن بدأت الحديث عن الأمر.. هذا لأنكم مجرمون بالفطرة ! ولكن الموضوع أبسط بكثير من ذلك حتى لو أن طبق سلطة شهي بمثابة أضحية وبديل عن جثة حقيقية. اكتشفت شغفي وأنا أمسك السكين وأقطع بالفعل، وأنا أفضل السكين حادة للحصول على قطع متماسكة بسرعة، هذا لأن الأشياء تتلف وتفقد مذاقها إذا قُطعت بسكين بارد، وما يميز طبق سلطة ممتاز عن آخر رديئ هو القدرة على خلق كائنات صغيرة أخري من الخضروات، بحيث لن يعود كل صنف ذاته، وعليه أن يكون شيء آخر بالضرورة وأكثر جمالا، يبدو طبق سلطة أمر هين، ولكن لا، إنها الآلية هي الفارق الجوهري لصناعة طبق سلطة جميلة، الاستراتيجية التى يتبعها شخص دون الأخر أي أنواع الخضار يقطع أولا، ثم إن لكل نوع طريقة تقطيع، هناك منظومة كاملة عليّ أديرها في رأسي لعمل طبق سلطة، أما عن السرعة فتجعلني أفكر بحرية أكبر.. أفكر وأفكر وأنا أقطع بسرعة ورشاقة وكلما ازدادت السرعة ازدادت الحرية والمخاطرة. عندما اكتشفت شغفي بفعل التقطيع كنت أقطع شرائح الكبدة واكتشفت للمرة الأولى ما يميز "الكبدة الإسكندراني" أن روعتها ليست في الخلطة إنما في طريقة التقطيع، هذا مايجهله معظم الناس واستعدت صورة من الطفولة، يد الجزار.. كنت أقصر من أن أستطيع الوصول لخشبة التقطيع فكنت أقف على أطراف أصابعي وألاحظة وهو يزيل غلاف رقيق يحيط الكبد، ويبدأ في التقطيع شرائح رفيعة وصغيرة، هنا لا يعرف الجزارون كيف تُقطع الكبدة؟ إنهم ريفيون مستعدون دائما لطبخها وسط أشياء أخرى؛ ولذلك يقومون بتقطيعها مع غلافها الخارجي الشفاف في هيئة مكعبات، وإذا أصبحوا متمدنين يقومون بتقطيعها مكعبات صغيرة، وهذا ما يجعلها سيئة دائما، كذلك ليست كل سكين تصلح لتقطيع الكبدة شرائح صغيرة، تحتاج لسكين مقعرة، حادة ومشطوفة السيف، ولذلك فإن أهم مقتنيات بيتي هي أنواع فريدة من السكاكين، كما أن لدي مسن منزلي ولا أسمح للعابرين أن يقموا بسنها حتى لا يتلفونها، فقد أحضرت أغلبها من بلدان مختلفة، من كل بلد سافرت حصلت على سكين، وكان هذا مستغربًا جدا من أصدقائي فليست السكين بالنسبة لهم هي أفضل تذكار، ولكن بالفعل هناك سكاكين مختلفة في كل بلد والحقيقة أنها عبرت بطريقة ما عن أهل هذه البلدان أو على الأقل كما عرفتهم أنا. جدتى كانت تقول إذا أرادت امرأة أن تهجر رجلا عليها أن تضع بين أغراضهما الشخصية سكينًا، تذكرت هذه الأخيرة بينما كنت مستمتعة للغاية بتداعي صور المدن التى زرت، وبما يتراكم أمامي على القطاعة بمهاراة فائقة ثم بكيت، أخذت أبكي والبكاء يغشي بصري، وأن أقطع بالسرعة ذاتها بالإيمان ذاته وأري هذه القصص المذبوحة.. إننى تعاملت مع كل شيء مع الكراهية مع الغضب مع الحزن مع الوحدة، ولم أتمكن أبدًا من التعامل مع الحب عندما يكرهنا الناس فهم يمنحونا حريتنا أما عندما يحبوننا فإنهم يستعبدوننا بكل إرادة منا، ولم أقدر يومًا على الحب كان بيني وبينه سكينًا من الخوف. استمريت لوقت طويل وأنا أقطع وأقطع بلا انتباه، قطعت كل شيء أمامي، وأشعر بالخيبة، وكانت المنضدة تنزف من كل ناحية، تقطر دمًا حقيقي لجثة حقيقة وقد اختلطت شرائح الكبدة بعقل أصابعي، بذراعيا، بكتفي ورأسي، ومازالت أبكي، والبكاء يغشي بصري، وأنا أستعيد موضع السكين من كل أغراضي المحببة ومن ذاكرتي.

مشاركة :