دخلت المواجهة بين الرئيس قيس سعيّد والأحزاب التونسية مرحلة مفصلية مع اقتراب جلسة تزكية حكومة هشام المشيشي، الذي يُنظر له على أنه رجل ظل الرئيس سعيّد، ما يجعل هذه الأحزاب وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية مرغمة، وفقا لمراقبين، على منح الثقة لحكومة المشيشي والمداهنة ولو ظرفيا تجنبا لشبح الانتخابات المبكرة. تونس - مع بدء العد التنازلي في تونس لعرض حكومة رئيس الوزراء المكلف، هشام المشيشي، على البرلمان تتوالى التساؤلات بشأن فرضية الذهاب في انتخابات سابقة لأوانها في ظل تشبث المشيشي بخيار حكومة كفاءات مستقلة ورفض أحزاب كبرى، ممثلة في البرلمان، المشاركة فيها. وكان رئيس الحكومة المكلف قد أعلن توجهه نحو تشكيل حكومة كفاءات مستقلة لتكون بذلك حكومة “الإنجاز الاقتصادي” التي فرضتها تجاذبات سياسية حادة جعلت البرلمان يحيد عن دوره الأساسي ليتحول إلى حلبة صراع بين كتل غير متجانسة. وفي ظل هذا الواقع الذي فرضه الرئيس قيس سعيد المُتهم بمعاداة الأحزاب، بات شبح الانتخابات يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى بالرغم من أنه يعسر على بعض الأطراف المجازفة بالذهاب في هذا الخيار خاصة وأن رصيدها الانتخابي في تراجع مستمر ما يجعلها تُهادن مع سعيد إلى حين. ومن بين هذه الأطراف حركة النهضة الإسلامية التي تُعارض حكومة كفاءات مستقلة، لكن شعبيتها في تآكل لامتناه حسب أحدث استطلاعات الرأي في تونس. وبالرغم من أن نتائج سبر الآراء الأخيرة في تونس أظهرت تراجعها إلا أن النهضة تؤكد على أنها جاهزة لانتخابات برلمانية مبكرة في حال عدم مرور حكومة المشيشي. وفي وقت سابق قال القيادي بالحركة الإسلامية رفيق عبدالسلام إن “الاستعداد للانتخابات المبكرة ليس جريمة، لكن السؤال المطروح هو هل أن السياق والوقت مناسب أم لا”. وأضاف عبدالسلام “النهضة مهيأة للذهاب إلى الانتخابات خاصة أنه سياسيا بالذهاب إلى انتخابات جديدة سيكون وضع الحركة أكثر أريحية وستكون هناك خارطة برلمانية وانتخابية أفضل مما هي عليه الآن”. ويرى متابعون للشأن السياسي أن مثل هذه التصريحات لا تعدو أن تكون ورقات لتحسين شروط التفاوض مع المكلف بتشكيل الحكومة من أجل مواقع في الحكومة المُقبلة أو مناصب إدارية عليا. وبالرغم من تأكيد قيادات النهضة على أن حركتهم جاهزة لأي استحقاق انتخابي مبكر إلا أنه من المستبعد أن تتبنى الحركة الإسلامية هذا التوجه بالنظر إلى أدائها الذي يواجه انتقادات متصاعدة من الحلفاء والخصوم على حد السواء ما جعلها تعيش شبه عزلة محلية فاقمها الصراع مع الرئيس قيس سعيد. وقال عبدالسلام في وقت سابق “لا نعرف من أين أتت عداوة قيس سعيد لحركة النهضة التي ساندته في وقت سابق، ربما أثر عليه مستشاروه في القصر”. رفيق عبدالسلام: لا نعرف من أين أتت عداوة قيس سعيد للنهضة رفيق عبدالسلام: لا نعرف من أين أتت عداوة قيس سعيد للنهضة وباتت شعبية النهضة في تراجع مستمر مقابل صعود الدستوري الحر (معارض، موالي للنظام السابق) الذي تترأسه عبير موسي وهو صعود يثير مخاوف النهضة ويخدمها في نفس الوقت. وأصدرت مؤسسة سيغما كونساي المحلية (خاصة) الجمعة استطلاعا جديدا يُظهر اكتساحا للدستوري الحر للساحة السياسية حيث يتفوق الحزب على النهضة (الثانية في الترتيب) بفارق 14 نقطة أي بـ35.9 في المئة مقابل 21.9 في المئة للنهضة. ويمكن تفسير صعود الدستوري الحر بعدة اعتبارات حيث يبني هذا الحزب الذي تتزعمه موسي المعروفة بولائها لنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي على معاداة ثورة يناير 2011 التي أطاحت ببن علي. واستغلت موسي فشل المنظومة السياسية لفترة ما بعد 2011 في إدارة الشأن العام والقيام بإصلاحات اقتصادية تسعف البلاد التي تجد نفسها اليوم على حافة الانهيار في ظل غياب استقرار سياسي واجتماعي. كما طرحت موسي نفسها بديلا للإسلاميين ما جعلها تستميل قواعد حزب نداء تونس، الذي أسسه الرئيس التونسي السابق الراحل الباجي قائد السبسي، علاوة على الغرف من خزان انتخابي لأحزاب أخرى على غرار قلب تونس ومشروع تونس وغيرهما. ومن شأن هذا الصعود للدستوري الحر أن يخدم النهضة أيضاً حيث لا يمكن لهذه الحركة الإسلامية، كغيرها من حركات الإسلام السياسي، العيش دون عدو يتم استغلاله لصرف أنظار قواعد الحزب على أخطائه وتوجيههم إلى مواجهته لاسيما وأن موسي تتوعد الثورة بالمكونات السياسية التي أفرزتها. وتعلق النهضة إخفاقات حكمها على شماعة الثورة المضادة و”أعداء الثورة” من رموز النظام السابق. وتدعم كتل تحيا تونس (10 نواب) والكتلة الوطنية (11 نائب) وكتلة الإصلاح الوطني (16 نائبا) خيارات المشيشي لكنها تبقى غير قادرة على ضمان الأغلبية المطلقة لتزكية الحكومة. ومن المتوقع أن يتمحور الصراع في المرحلة المقبلة بين الرئيس قيس سعيد والأحزاب؛ فإذا نجح المشيشي في تمرير حكومته فإنه سيدشن بذلك فترة حكم سعيد حيث لا يمثل المشيشي سوى رجل ظل للرئيس، أما إذا أخفق المشيشي ولم يتم تعديل القانون الانتخابي فإن أي انتخابات مقبلة ستفرز نفس المشهد السياسي تقريبا ويكون عنوان هذا المشهد البارز التشتت والتشرذم. ومن المرتقب أيضاً، في حال فشل المشيشي وإجراء انتخابات، أن يستمر التوتر في البرلمان بسبب الخلافات الحادة وحالة الاستقطاب الثنائي بين الدستوري الحر والنهضة وهما حزبان يستمد كل منهما شرعية وجوده من وجود الآخر وتحركاته. وفي المحصلة، إذا تمسك قيس سعيد والأحزاب بمنطق المُكابرة، فسينعكس ذلك سلبا على الواقع الاجتماعي والاقتصادي المستمر في الترنح على وقع الأزمة السياسية وهو ما يضع تونس في مأزق حقيقي أمام المانحين الدوليين الذين يطالبون بإرساء استقرار سياسي واجتماعي يمهد لتطبيق الإصلاحات المطلوبة.
مشاركة :