تُجري أحزاب تونسية مشاورات مكثفة بغية صياغة تحالفات جديدة تستبعد حركة النهضة الإسلامية من الائتلاف الحكومي الجديد ما جعل من حزب قلب تونس الذي يتزعمه نبيل القروي، قطب الإعلام والمرشح السابق للرئاسة، محط أنظار جل مكونات المشهد السياسي نظرا لتمثيليته في البرلمان ومواقفه الأخيرة. تونس – مع بدء العد التنازلي لتكليف الرئيس التونسي قيس سعيد، لـ”الشخصية الأقدر” بتشكيل الحكومة تتسابق كتل برلمانية وازنة من أجل ضمان غالبية الـ109 أعضاء، وهي الغالبية المطلقة اللازمة لتمرير الحكومة بصرف النظر عمّن يرأسها. وفي خضم الأزمة السياسية الحادة التي تعيش على وقعها تونس تخوض العديد من الأحزاب مشاورات مكثفة في الكواليس تستهدف استبعاد حركة النهضة من الائتلاف الحكومي المُقبل. وتعقب هذه التحركات بروز تحالفين في البرلمان أفرزتهما لائحتي سحب الثقة من رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي من قبل التيار الديمقراطي وحركة الشعب والدستوري الحر- وآخرين- ولائحة سحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة والتي أمضى عليها كل من حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة والنهضة، وآخرون مستقلون. ومع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها الرئيس للإعلان عن “الشخصية الأقدر” لقيادة مشاورات تشكيل الحكومة فإن الصراع يحتدم بين هذين القطبين وهو ما ينذر بأن المشاورات ستكون عسيرة حيث يزداد التباعد والتلاسن بين مكونات هذين التحالفين. فمن جهة، أصبح من الصعب تجميع حركة الشعب والتيار الديمقراطي وحركة النهضة في ائتلاف حكومي حيث حدد التيار والشعب اللذان يشكلان كتلة واحدة في البرلمان (الكتلة الديمقراطية، 38 نائبا) موقفهما بالضبط من الحركة الإسلامية. واتهم الأمين العام للتيار الديمقراطي محمد عبو، النهضة بابتزاز حكومة الفخفاخ بعد أن فتحت ملفات فساد تهم مقربين من الحركة. وقال عبو آنذاك إنه “ليس بالإمكان الحكم مع حركة النهضة فهي منذ البداية قررت إسقاط الحكومة”. وبالفعل، عمدت النهضة إلى بناء تحالف برلماني قوي مع ائتلاف الكرامة الشعبوي (19 نائبا) وحزب قلب تونس (27 نائبا) يستهدف الإطاحة بحكومة الفخفاخ، وكرست كل الضغوط من أجل تحقيق ذلك. ووجدت النهضة في شبهات الفساد التي تتعلق برئيس الحكومة الملاذ من أجل الضغط عليه وهو ما أجبره على الاستقالة الأربعاء الماضي ليستعيد بذلك سعيد زمام المبادرة لتكليف “الشخصية الأقدر” بتشكيل “حكومة الرئيس 2”. ويرهن التيار الديمقراطي إرساء استقرار اجتماعي وسياسي بانتخاب رئيس جديد للبرلمان بعد إزاحة الغنوشي، وتمرير حكومة جديدة. وقال التيار في البيان الختامي لاجتماع مجلسه الوطني الأحد “يوصي المكتب السياسي بتكثيف المشاورات على قاعدة تكوين حكومة متضامنة تنأى بنفسها عن المصالح الحزبية وتكون جادة في مواصلة مسار الإصلاح الفعلي الكفيل بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد”. وبدوره قال النائب عن حركة الشعب خالد الكريشي الثلاثاء، إن “هناك توجها عاما نحو إبعاد النهضة من المشاركة في الحكومة القادمة”. وأضاف الكريشي في تصريحات صحافية أن “المشاورات بين الكتل الممضية على عريضة سحب الثقة من رئيس البرلمان وحزب قلب تونس والمنظمات الوطنية ستسعى للتوافق حول مرشح وحيد لرئاسة الحكومة”. من جهة أخرى، تقف حركة النهضة (52 نائبا) التي تتسلح بتقارب كبير مع ائتلاف الكرامة وقلب تونس وكذلك بفوزها في الانتخابات الأخيرة لتحاول فرض خياراتها على رئيس الحكومة الذي سيكلفه الرئيس. وتستبعد الحركة فرضية أن يكون بالإمكان استبعادها من التشكيل الحكومي المُقبل. وفي تصريح لإذاعة محلية خاصة الثلاثاء، قال القيادي بالحركة سمير ديلو “لن يكون هناك استقرار سياسي باستبعاد النهضة من الحكومة، ونحن نجري مشاورات مكثفة مع قلب تونس وائتلاف الكرامة من أجل اختيار شخصية تحظى بصفة التجميع”. وفي تعليقه عن موقف حزبه من المشاورات الجارية قال الصادق جبنون الناطق باسم قلب تونس إن “حزبنا ليس لديه أي فيتو على أي طرف سياسي.. نحن نريد حكومة وحدة وطنية يشارك فيها أكبر عدد ممكن من مكونات المشهد السياسي.. لا إقصاء إلا لمن أقصى نفسه”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “ندعو إلى أكبر اتفاق سياسي ممكن وألا يكرر الشخص الذي يكلفه الرئيس الأخطاء التي ارتكبها سلفه إلياس الفخفاخ.. نحن مستعدون للتوافق مع أي طرف لديه خطة لإخراج البلاد من الأزمة التي تشهدها”. وبالرغم من أن البلاد تعيش أزمة غير مسبوقة بالمرة وسط احتقان متزايد في “المدن المُهمشة” وتفاقم أزمة المديونية إلا أن الأحزاب التونسية باتت تُسابق الزمن من أجل بناء تحالفات تضمن تمرير الحكومة المُقبلة. وفي المحصلة، فإن التحالفات الجديدة تعد شبه جاهزة وهي التي أفرزتها المستجدات الأخيرة المتعلقة بلائحتي سحب الثقة من الغنوشي والفخفاخ، لكن خيارات الشخصية التي سيستقر رأي سعيد عليها ستوضح صورة المشاورات أكثر. وفي الأثناء، بات من الثابت مواصلة ركون الحزب الدستوري الحر (17 نائبا) وتتزعمه عبير موسي في المعارضة لرفضه المشاركة في حكومة فيها النهضة، بينما يرفض التيار الديمقراطي مشاركته باعتبار أنه من أنصار نظام الرئيس زين العابدين بن علي الذي أطاحته ثورة يناير 2011.
مشاركة :