(إن هذه الطريقة الرواقية في تأمين معاشنا بإلغاء رغباتنا، تساوي أو تعادل بتر الساقين لكي لا تعود بنا حاجة إلى أحذية). تتطابق هذه العبارة التي قالها أحد الحكماء مع تلك الحاجة القوية التي تتدثر بها الكثير من النساء في اغلب المجتمعات بصفتهن معيلات للأسرة. وفرة مجانية في كل العالم للنساء الفقيرات حيث إن أغلب التقارير تشير إلى أن الفقر يتركز في النساء أكثر سواء امرأة بلا مُعيل، كزوجة أرملة، أو مطلقة تعيل أطفالها بعد أن تركهم الزوج، فإن كان متوفى ولديه دخل، ففي أغلب الأحيان هذا الدخل يظل غير كاف، ولا يوفر المتطلبات الأساسية للأسرة، فمثلاً أسرة عدد أفرادها 10 أشخاص دخلها 3000 ريال، كيف للأم أن توفر الحد الأدنى للمعيشة بهذا المبلغ الصغير؟ كيف لها أن تحقق أقل القليل من احتياجات أطفالها، وأسرتها؟ وإذا لم تكن أرملة، فقد تكون مطلقة، والمطلقة لدينا إن لم يكن لها دخلها الشخصي، أو إن لم تكن موظفة، فما يُحكم لها من نفقة لا يساوي شيئاً أمام متطلبات الحياة، فعادة المحكمة تحكم ب500 ريال لكل طفل أو بنت، كيف للأم أن تدير حياة كاملة من مدارس وطعام ومواصلات وعلاج بمبلغ ضئيل كهذا؟ وأحيانا لا تكون المرأة مطلقة، أو أرملة، ولكن متزوجة من زوج عاطل عن العمل أو مريض، أو مدمن، أو لا يوفر لها متطلبات الأسرة، من خلال عدم إحساسه بالمسؤولية، ويتركها تجاهد لتوفير هذه المتطلبات، ولذلك نرى الكثير من النساء في الجمعيات الخيرية وفي الضمان الاجتماعي، أو باحثات عن توفير حاجتهن من طرق أخرى كأن تحاول هذه المرأة الفقيرة العمل ولو بدخل بسيط، لكي يساعد نوعاً ما على تيسير الأمور، أو من خلال عمل مشروع صغير كالبسطات التي تجلس فيها بعض النساء، أو مشاريع صغيرة ومنتجة كتلك التي توفرها بعض المنظمات العالمية، والبنوك المقرضة لمبالغ بسيطة للنساء بالتحديد كبنك الفقراء في بنغلاديش الذي أسسه محمد يونس الفائز بجائزة نوبل. هذه المؤسسات تساعد النساء على تخطي دائرة الحاجة قليلاً من خلال توفير دخل ملائم لحياة بسيطة وإن كانت إنسانية نوعا ما من خلال هذا الأمان المحدود الذي توفره المرأة لأسرتها فينطبق عليها ذلك المثل الألماني (وهو أن البيوت لا تُؤسس على الأرض، بل على المرأة) وأنا أقول على كل النساء اللاتي تحملن بشجاعة إعالة أسرهن، على النساء الفقيرات اللاتي تخطين قسوة الزمن ومرارته من أجل توفير الحاجة، وإن كان الخوف من الحاجة يدفع إليها. هذا البحث المضني للفقراء عن حاجتهم كما تقول دراسة بريطانية يستهلك الكثير من الطاقة الذهنية لهم، ويجعلهم أكثر عرضة لاتخاذ القرارات السيئة. وخلص الباحثون في جامعة كولومبيا البريطانية إلى أن الفقر يستنفد الكثير من الطاقة الدماغية ليجعل الفقراء أقل قدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، والخطوات التي تجعلهم يتغلبون على صعوباتهم المالية.. ووجد العلماء أن القدرات الإدراكية يمكن أن تتراجع بفعل القلق المتعلّق بمكان العيش أو امتلاك ما يكفي من المال لإطعام العائلة، وبالتالي فإن (سعة عقلية) أقل تترك للأمور المتعلقة بالتعليم والتدريب وإدارة الوقت وخطوات أخرى من شأنها أن تساعد على خرق دائرة الفقر. وقالت الباحثة المسؤولة عن الدراسة جيايينغ زاو: (إن الحسابات السابقة حول الفقر ألقت باللوم على الفقراء في شأن فشلهم الشخصي أو البيئة التي لا تقود إلى النجاح.. نحن نقول إن كون الشخص فقيراً يمكن أن يؤثر في الوظيفة الإدراكية لديه، ما يعيق قدرة الشخص على اتخاذ القرارات الجيدة ويمكن أن يتسبب بمزيد من الفقر). وهو ما ينطبق أحياناً على بعض الأسر الفقيرة عندما يجتمع لديها الفقر وعدم الإدراك، والمرض وفشل الأبناء، ومحدودية دخلهم فيما بعد، وكأن الفقر يُورَّث كالغنى..
مشاركة :