لا شيء يثير اشمئزازي كسماعي من يسخر من أحد لعيب يراه في صورته التي خلقه الله عليها، فمع الأسف، يبدو أن عادة الاستهزاء بأشكال الناس والتندر بألوانهم وأوزانهم وأطوالهم وشيخوختهم وإعاقاتهم وما شابه ذلك مما يتصل بمظهر الإنسان، هي عادة شائعة في مجتمعاتنا العربية، وهي وإن كانت ليست عادة خاصة بالعرب دون غيرهم، إلا أنها تنتشر بينهم أكثر من غيرهم. وفق معايير الحضارة الإنسانية المعاصرة، تعد السخرية من أشكال الآخرين أمرا منافيا للخلق والذوق السليم، وفي الغرب باتت تصنف سلوكا يعاقب عليه القانون تحت بند (التمييز العنصري)، ولعل هذا يفسر لنا أسباب انحسار نسبة التندر بأشكال الآخرين في الغرب حتى وإن لم يختف تماما. في بلادنا العربية يختلف الأمر، فحب الاستهزاء بأشكال الناس والتندر على مظهرهم وصورهم ما زال عند كثيرين ينظر إليه كوسيلة من وسائل الترفيه والترويح عن النفس، بمن فيهم أولئك الذين يصنفون أنفسهم من المتدينين المتمسكين بالخلق الإسلامي، وأولئك الذين يقولون إنهم مؤمنون بقيم الحضارة الغربية، كلاهما لا يسلمون في الغالب من أن يتراقص على ألسنتهم، بين حين وآخر، ساخر قديم يختبئ داخل صدورهم، ليتندر بلون الآخر أو حجمه أو سنه، فتجده يستعمل عبارات تفوح منها رائحة الاستهزاء المنتنة، كأنما هو قد جاء للتو من الجاهلية!! عادة التندر بأشكال الآخرين ــ مع الأسف ــ تبدو أصيلة في الثقافة العربية، والأدب العربي نثره وشعره يفيض بنماذج كثيرة تشهد على تأصل تلك العادة في ثقافة العرب، وانظر في أبواب الهجاء في دواوين الشعر وكتب الأدب لترى غزارة ما تحويه من فكاهات مبنية على السخرية بأشكال الآخرين؛ مثل السخرية من شكل الأنف: لـك أنف يا ابـن حـرب،، أنــفت منــه الأنــوف أنت فـي القدس تصلي،، وهو في البيت يطوف أو طول الوجه: وجهك يا عمرو فيه طول،، وفي وجوه الكلاب طول أو الإصابة بالعور: فيا ابن كروس يا نصف أعمى،، وإن تفخر فيا نصف البصير وهناك نماذج كثيرة غير هذه تكشف انغماس الثقافة العربية في التهكم بأشكال الآخرين، أحيانا للنيل من المهجو، وأحيانا لمجرد الإضحاك لا أكثر، كقول أبي دلامة يسخر من نفسه: إذا لبس العمامة قلت قردا،، وخنزيرا إذا نزع العمامة والناس، في هذا كله، أبعد ما يكونون عما أمرهم به ربهم: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون). للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 738303 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة
مشاركة :