بدأ الجدل يدور بالفعل حول ما ستعنيه إدارة جو بايدن للمصالح اليونانية. كل شيء يشير إلى خسارة انتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكن لا ينبغي لأحد أن يستهين به. ومن المؤكد أن بايدن وفريقه في البيت الأبيض سيعيدون الحياة إلى طبيعتها. حيث كانت لديه معرفة عميقة بالقضايا المتعلقة باليونان لعقود، وفي اللحظات الحاسمة، وقفَ لصالح المواقف اليونانية. لكنه يعرف أيضًا الكثير من الناس، وهذا أمر مهمّ جدًا. ولأول مرة منذ فترة طويلة، سيكون هناك أميركيون يونانيون أقوياء، سيكونون قادرين على الاتصال به والتحدث معه أو مع نائبه. وهذا اختلاف مهمّ عن ترامب. حيث عندما تم انتخابه، سادت الأوهام بأن اليونان ستتمكن من الوصول إليه من خلال رئيس أركانه الأول، الذي كانت والدته من أصل يوناني، وأيضاً من خلال العديد من النجوم الصاعدة الأخرى. ولكن في نهاية الأمر، لم يتمكن أي شخص من الوصول إلى المكتب البيضاوي مباشرةً وتم تسليم الملف اليوناني رسميًا لنائب الرئيس، مايك بنس. وتعتبر هذه من ضمن إحدى المفارقات، بالنظر إلى أن نسبة كبيرة من الأميركيين اليونانيين صوتوا لصالح ترامب. لكن إلى جانب بايدن، فإن الفريق الذي سيتعامل مع قضايا الأمن القومي لديه خبرة في منطقتنا ويعرف الناس والتاريخ. وقد يلعب السفير الأميركي السابق في اليونان، نيكولاس بيرنز، دورًا مهمًا في البيت الأبيض أو في وزارة الخارجية. المرشح جو بايدن من بين الأصوات المنتقدة لتركيا في مجال الحريات وحقوق الإنسان وينطبق الشيء نفسه على مستشاري باراك أوباما السابقين توني بلينكين وفيل جوردون، اللذين تعاملا مع ملف المنطقة. وهناك أيضًا شائعات بأن سفير الولايات المتحدة الحالي في اليونان، جيفري بيات، قد يشغل منصبًا مهمًا في وزارة الخارجية. وإلى كل هذا، يجب أن نضيف المناخ السلبي الذي خلق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد هجماته العدوانية العديدة على بايدن. يضع أردوغان كل ما لديه في يد ترامب، دون أن يتحلى بالكثير من المرونة. فهل نتوقع حدوث المعجزات؟ من الواضح أنه لا. دقت الأجراس في بعض الكنائس عندما تم انتخاب جيمي كارتر رئيسًا للولايات المتحدة حيث اعتقد البعض أنه سينقلب على أنقرة. ومنذ ذلك الحين، تعلّمنا أن الالتزامات السابقة للانتخابات شيء وأن اتباع سياسة خارجية قائمة على المصالح شيء آخر تمامًا. لكن هذا هو الفارق الكبير. حيث إذا تم انتخاب بايدن، ستكون الولايات المتحدة دولة يمكن تخيّل الأوضاع بها. وسيعرف رئيس الوزراء اليوناني، في حال احتاج لذلك، بمن يتصل وماذا سيسمع، لاسيما بعد أن تمكن ترامب من مفاجأة الزعيمين اليونانيين اللذين التقيا به. وفي مقابلته معهما قال لأحدهما “كانت فكرة سيئة أن تبقى في منطقة اليورو، كان يجب أن تغادر”، بينما قال للآخر “ليست بالفكرة السيئة أن تواجه حادثا في بحر إيجة”، أو كلمات تحمل نفس التأثير. سباق انتخابي على أشده سباق انتخابي على أشده ويتساءل محللون ومتابعون عن رؤية بايدن للعلاقات التركية – الأميركية في حال أصبح رئيسا للولايات المتحدة وهو ما ترجّحه استطلاعات الرأي. ويلاحظ هؤلاء أنه كنائب للرئيس، بدا بايدن داعما لتركيا في البداية. فبعد قضاء بعض الوقت مع الزعيم التركي في واشنطن في مايو 2013، قال إنه أعجب به لفترة طويلة. لكن، وفي أكتوبر 2014، أشار بايدن في خطاب إلى أن تركيا هي التي ساعدت في إنشاء الدولة الإسلامية. وبعد أشهر قليلة، اختار أوباما التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية الجامعة للعرب والأكراد للتحرّك ضد داعش. وعلى الرغم أن ترامب استرضى أردوغان وتعهد بقطع العلاقات مع قوات سوريا الديمقراطية في العام 2019. إلا أنه حسب المتابعين من المرجح أن يكون بايدن أقل استعدادا للانحياز إلى أردوغان في القضايا التي تتناقض مع سياسات الناتو والولايات المتحدة، مثل تدخل تركيا في ليبيا، وشرائها لمنظومة أس-400، وانتهاكاتها البحرية ضد اليونان وتنقيبها عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسّط. ونظرا إلى سجلّه الحافل، يتوقع محللون أن يكون بايدن أكثر تعاطفا مع اليونان في شرق البحر المتوسط، وأن يكون نائب الرئيس السابق أكثر دعما للأكراد السوريين أيضا. كما سيكون أقل اهتماما باسترضاء تركيا بسبب قرار أردوغان شراء منظومة أس-400 على الرغم من التحذيرات الأميركية، كما سيكون بايدن أكثر اهتماما بتطبيق القانون الأميركي، على عكس الرئيس الحالي. وبايدن من بين الأصوات المنتقدة لتركيا في مجال الحريات وحقوق الإنسان. وأثناء زيارته لتركيا في مطلع سنة 2016، انتقد الحكومة التركية بسبب هجومها العسكري المستمر ضد المسلحين الأكراد في جنوب شرق البلاد. كما شجب انتهاكاتها لحرية الصحافة والتقى بزوجة الصحافي المسجون كان دوندار وابنه. بذلك، يبدو بايدن أكثر استعدادا للضغط على تركيا بسبب ميولاتها غير الليبرالية والديمقراطية، مثل اعتقالها لعثمان كافالا والمرشح الرئاسي السابق صلاح الدين دميرطاش، واعتمادها لقانون وسائل التواصل الاجتماعي المشدّد، وخطط الحكومة للانسحاب من اتفاقية إسطنبول وقانون منع العنف ضد المرأة وحماية الأسرة.
مشاركة :