رواية فردقان... اعتقال الشيخ الرئيس للكاتب يوسف زيدان، والتي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية 2020 م. تُعد الرواية محاولة لإعادة بناء حياة العالم والفيلسوف «ابن سينا»، وتغوص في تفاصيل اعتقاله داخل أسوار قلعة «فردقان» بإيران، في ملحمة درامية ناقشت قضايا كبرى ما تزال حاضرة، لعل من أهمها العلاقة بين العلماء والمثقفين مع الأمراء والحكام، فابن سينا تولى الوزارة مرتين، إلى أن انتهت تلك العلاقة باعتقاله، الذي كان له التأثير على حياته مما انعكست على شخصيته، ويصور لنا زيدان من خلال خياله الخصب وأسلوبه المبدع القوي لحظة وصول ابن سيناء إلى القلعة «جاء راكبًا بغلةً هرمةً، مفكوك العمامة، مكشوفَ الرأس، كسيرَ النفس، كسيفَ النظرات، خجلًا من هيئته، ومن السلسلة الصدئة المقيدة لقدميه وكفيه». من خلال سرد الوقائع التي أجراها الروائي على العديد من شخوصه وشخصياته التي التقى بها ابن سينا أو عنت له ضمن زحمة ذكرياته وهو يستعيدها، فابن سينا عاصر ثلة من العلماء ما زالت أسماؤهم يزدهي بها مستوى الثراء الفكري والعلمي الذي ميز عصره، من هذه الأسماء محمد الشيرازي صاحب كتاب «المبدأ والمعاد» في التوحيد، وأبو الريحان البيروني صاحب كتاب «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذوله»، وفيه وصف لعقائد وعادات الهندوسيين، وأبو بكر الرازي صاحب كتاب «الحاوي في الطب»، ثم صديقه أبو إسحاق الجوزجاني، صاحب كتاب «المترجم»؛ وآخرون كابن مسكويه. وقد اتسمت الفترة التي عاشها ابن سيناء بالاضطرابات السياسية والصراعات الدامية على السلطة بين الحكام المسلمين. وتأتي أهمية الرواية من أهمية العالم الجليل ابن سينا والذي يعتبر من العلماء الموسوعيين ولقب بالشيخ الرئيس كنوع من أنواع التشريف لإنجازاته العلمية، ومن ألقابه أيضًا «أرسطو العرب، والمعلم الثالث بعد أرسطو والفارابي، وأمير الأطباء». قال عنه الطبيب والمؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب «لقد تُرجمت كتب ابن سينا إلى مختلف لغات الدنيا، وبقيت نحو ستة قرون تعتبر أصول ومباني الطب». وقد كتب ابن سينا أثناء فترة حبسه في القلعة عدة كتب من أشهرها (رسالة حي بن يقظان) وهو عبارة عن حكاية رمزية ألهمت العديد من الكتاب والأدباء لاحقًا منهم الفيلسوف الأندلسي «ابن الطفيل» الذي كتب عن الموضوع نفسه وتمت ترجمتها إلى اللغات اللاتينية والإنجليزية ليقتبس منها الكاتب الإنجليزي رائعته الروائية «روبنسون كروز». وما بين الوقائع التاريخية الفعلية، والخيال الروائي الخلَّاق، نسج يوسف زيدان خيوط روايته؛ ليقدم للقارئ العربي لوحة حياة غنية بالتفاصيل، للعلَّامة العبقري الذي شهدت له الحضارة الإنسانية خلال الألف سنة الأخيرة: الشيخ الرئيس ابن سينا. (ومات ابن سينا وحيدًا، وخلد للأبد، وخسر في سبيل الخلود أعز أمانيه).
مشاركة :