بعقوبة، العراق 28 أغسطس 2020 (شينخوا) رغم مرور أكثر من ست سنوات على طرد تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش) من المناطق التي احتلها، في محافظة ديالي شرقي العراق، إلا أن تداعيات هذا الاحتلال لاتزال تلقي بظلالها وأصبحت تهدد المنظومة الاجتماعية في تلك المناطق. ومن هذه التداعيات هي مشكلة عزوف الشباب عن الزواج بسبب حالة الفقر التي خلفها التنظيم المتطرف عند سيطرته على تلك المناطق عندما قام بهدم المنازل وحرق بساتين المواطنين الذين لا يؤيدونه، وما تبعها من حالة عدم استقرار في بعض تلك المناطق ما عطل جوانب الحياة. وكان التنظيم الإرهابي قد إجتاح في صيف عام 2014 مناطق واسعة من شمال وشمال شرق ديالي وسيطر على عدة مدن وقصبات وقرى لبضعة أشهر قبل أن تتمكن القوات العراقية من استعادتها، ما أدى إلى نزوح أكثر من 100 الف أسرة، لايزال بعضهم في مخيمات النزوح. ودفعت لقمة العيش شباب تلك المناطق بعد استعادتها إلى البحث عن أي عمل لتوفير لقمة العيش لأسرهم، وتأجيل كل أحلامهم في الدخول في القفص الذهبي وتشكيل أسرة جديدة. ويؤكد المختصون أن تداعيات العزوف عن الزواج في المناطق التي كان بها التنظيم وأطلق عليها اسم "المناطق المحررة" خلقت مشكلة آخرى وهي ارتفاع نسبة العنوسة بين النساء. وقال صلاح مهدي مدير مكتب حقوق الإنسان في ديالي لوكالة أنباء (شينخوا) "إن إنخفاض معدلات الزواج في المناطق المحررة حقيقة نلمسها منذ سنوات" لافتا إلى أن المعدلات هي أدنى بنسبة 70 بالمائة مقارنة بفترة ما قبل اجتياح داعش لتلك المناطق. وأضاف مهدي "الاسباب الرئيسية وراء ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج ، وهي الفقر المدقع، والبطالة، وحالة عدم الاستقرار الأمني الذي أدى إلى ضرر نفسي دفع الكثير إلى تأجيل فكرة الزواج". وتابع مهدي أن" عددا ليس بقليل من شباب المناطق المحررة يعمل خارج ديالي أو خارج مناطقها، كون 70 بالمائة من هذه المناطق هي زراعية ودمرت فيها الزراعة بعد 2014 والتي تعد المصدر الرئيسي لآلاف الاسر". من جانبه أقر عبد الخالق العزاوي عضو البرلمان العراقي عن ديالي بارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المناطق المحررة بسبب التدمير الذي خلفه التنظيم المتطرف وخاصة الزراعة ما انعكس بشكل كبير على المستوى المعيشي لسكان تلك المناطق. ويرى أن حل هذه المشكلة الاجتماعية يتطلب تحسين الوضع الاقتصادي، قائلا "إن تحسين البيئة الاقتصادية للمناطق المحررة كفيل بمعالجة كل الاشكالات على المستوى الاجتماعي". وتقدر السلطات المحلية نسبة الدمار التي لحقت بالمرافق الاقتصادية والقطاعات المهمة في المناطق التي سيطر عليها التنظيم المتطرف بنحو 70 بالمائة، وهذه نسبة عالية جدا تظهر حجم الضرر الكبير الذي لحق بتلك المناطق. "تأجيل الحلم" للعام السادس على التوالي يؤجل الشباب محمد، وعثمان، وشاكر، الذين يسكنون في قرى محررة بمحافظة ديالي مشروع حلمهم بالدخول إلى القفص الذهبي لأسباب متعددة أبرزها الأزمة الاقتصادية وحالة عدم الاستقرار الأمني. وقال محمد أحمد وهو شاب في الـ 28 من عمره ويسكن قرية محررة قرب المقدادية (40 كم) شمال شرق بعقوبة مركز محافظة ديالي "عدت قبل عامين لمنزلي بعد فترة نزوح دامت أربع سنوات، ووجدته مدمرا بنسبة 50 بالمائة، أما البستان الذي يمثل مصدر رزقنا الوحيد فقد تحولت اشجاره المثمرة إلى حطب يابس". وأوضح أن والده مريض ولديه أربعة أخوان صغار ما دفعه للعمل كعامل في محل لبيع المواد الغذائية لتأمين لقمة العيش لأسرته. وأضاف "لم أعد أفكر بالزواج لأن وضعي لا يسمح لي بذلك "مؤكدا انه ليس حالة استثنائية بل هناك العديد من شباب القرى والمناطق المحررة التي تضررت من الإرهاب يعانون نفس المشكلة. أما عثمان الجبوري وهو شاب بلغ الشهر الماضي (30 سنة) وعاد إلى منطقته الواقعة في أطراف بلدة السعدية (60كم) شمال بعقوبة، بعد رحلة نزوح استمرت سنوات فقال" أعمل الأن في كردستان شمالي العراق لأن فرص العمل في مدينتي محدودة جدا أو معدومة". وتابع "مهمتي الأساسية الأن توفير لقمة عيش لأسرتي المؤلفة من سبعة أفراد "، وسكت للحظات ثم واصل حديثة قائلا "الفقر لا يبني منزلا وعندما أنجز مهتمي في العناية بأسرتي بعدها سافكر بالزواج"، واصفا الزواج بأنه مشروع حلم مؤجل حاليا. وتعد السعدية أول بلدة في ديالي سقطت في قبضة التنظيم المتطرف وهي تمثل إحدى أكبر بلدات حوض حمرين شمال شرق ديالي. بدوره قال شاكر بلال وهو شاب نازح من إحدى قرى جلولاء (70كم) شمال شرق بعقوبة ويبلغ من العمر (27 سنة) "انا خاطب ومؤجل زفافي منذ ثلاث سنوات لأني أحاول إكمال بناء منزل أسرتي الذي دمر في عام 2014 ". وأشار بلال إلى أن الفقر والعوز والإرهاق هي التي دفعته إلى تأجيل زفافه وتحقيق حلمه بالزواج. إلى ذلك قال إبراهيم الشمري المختص في علم الاجتماع إن" البيئة المجتمعية في المناطق المحررة بديالي وغيرها تعرضت إلى ضرر بالغ خاصة مع حركة النزوح الهائلة وفقدان شرائح واسعة لمصادر الرزق". واضاف الشمري" لم يكن أمام الشباب سوى خيار واحد وهو انقاذ عوائلهم من خلال البحث عن فرصة عمل، ولم تعد فكرة الزواج وبناء أسرة تأتي على بالهم، لأن الأمر يحتاج إلى قضية في غاية الأهمية وهي الاستقرار النفسي والمادي". وأكد الشمري أن نسبة غير قليلة من الشباب عزفوا عن الزواج، واصفا ذلك بالمشكلة الحقيقية التي سيكون لها تأثير على المجتمعات في تلك المناطق. وتابع "أن العزوف عن الزواج يشكل مصدر تهديد لمجتمعات المناطق المحررة، لكن هذه المشكلة غير ظاهرة حاليا، وهناك أشبه بالتكتم عليها، لكن القضية مستمرة خاصة في المناطق الساخنة التي مازالت تعاني من نسبة عزوف عالية". ومازالت المناطق المحررة وخاصة القرى في مناطق العظيم وشمال المقدادية وأطراف السعدية تتعرض إلى هجمات من قبل التنظيم المتطرف بين فترة وآخرى ما يؤدي إلى سقوط ضحايا.
مشاركة :