•• هناك حقائق اقتصادية مهمة لا يمكن تجاهلها.. •• وهناك اعتبارات اجتماعية وأمنية لا بد وأن نأخذها في الاعتبار عند اتخاذ أي قرار.. •• وهناك خط تماس دقيق وحساس بين العامل الاقتصادي وبين العنصر الأمني يجب مراعاته بحسابات دقيقة.. •• والتحدي الحقيقي هو في تبني هذه المعادلة الصعبة بإتقان شديد.. وبالحد الأدنى من الآثار السلبية عند وقوعها. •• وما فعلته دولة الإمارات العربية الشقيقة الأسبوع الماضي حين قررت رفع الدعم كلياً عن الوقود.. واعتماد الأسعار الدولية للبنزين والديزل إنما يشكل خطوة جريئة.. لكنها كانت ضرورية وحتمية في وقت تشهد فيه دول المنطقة تحديات شديدة الوطأة فرضت عليها أعباء مالية جسيمة نتيجة مواجهتها المستحقة في اليمن لتمدد إيران إليه بالحوثيين وعلي عبدالله صالح لتحقيق أجندتها العريضة في المنطقة.. بالإضافة إلى تدخلها السافر في كل من سورية والعراق ووجودها الكبير في لبنان وتسللها إلى ليبيا. •• فإذا أضفنا إلى ذلك ما تخطط له في المستقبل القريب بعد اتفاقها النووي مع الدول (5+1) فإننا سندرك مدى ضخامة الإنفاق المترتب على مواجهتنا لهذه الكوابيس.. ومنها كابوس تفشي تنظيم داعش الإرهابي في مختلف أرجاء المنطقة.. •• إن أكبر تحدّ تخوضه دول مجلس التعاون الست الآن هو تحقيق التوازن - كما قلنا - بين متطلبات المواجهة لهذه الأخطار الشرسة والحقيقية التي تحيط بنا من الشمال والجنوب.. وبين استمرار إنفاقها النشط على خطط وبرامج التنمية.. •• وبكل تأكيد فإنه لا حل لهذه المعادلة الصعبة إلا بترشيد الاستهلاك بشكل عام وفي الطاقة بشكل خاص.. ومراجعة أوجه الإنفاق المختلفة وإعادة ترتيب الأولويات وتأجيل ما ليس ضرورياً الآن.. تجنباً لسحب المزيد من احتياطيات دولنا.. وتحمل تبعات الديون المترتبة على التوجه نحو الاقتراض مجدداً والدخول في حسابات ديون لا قِبَل لنا بها.. ولا بفوائدها. •• هذا الخيار - خيار الترشيد - بات الآن ضرورياً.. بالرغم من ردة الفعل العاطفية التي قد تصاحبه.. وبصرف النظر عن أي حسابات أمنية أو اجتماعية قد لا تشجع عليه.. لسبب بسيط هو أن التأخير في اتخاذ قرار إيقاف الدعم لسلعة النفط.. يعني استمرار معدلات الاستهلاك الحالي وربما زيادتها.. وذلك في حد ذاته ستكون له مخاطر أشد وأعلى من مخاطر اتخاذ هذا القرار الملح الآن. •• لكن الأهم من اتخاذ قرار كهذا هو الحد من تأثيره على شرائح المجتمع المتوسطة والفقيرة.. بسلسلة من الضوابط والإجراءات المنظمة للعملية. •• وإن كان الأكثر أهمية من هذا وذاك هو ترشيد الإنفاق على أوجه صرف كثيرة لا لزوم لها.. ولا حاجة بدولنا إليها.. جنباً إلى جنب رفع وتيرة الرقابة المالية الشديدة لإسقاط إمبراطورية الفساد أنّى وجدت. •• كل هذا سيؤدي إلى تحقيق التوازن المنشود.. وعدم اللجوء إلى سياسة "تقتير" و"توفير" وربط الأحزمة على البطون بصورة غير مسبوقة اضطرارياً.. وهو أمر لا يبدو أنه مستحيل الحدوث ولا سيما في ضوء التصعيد المحتمل لوطأة حروب المنطقة الشديدة وبالذات إذا نحن دخلنا في مواجهة أخرى مع كل من خذلنا.. أو تخلى عنا.. أو بدأ يزايد على قضايا الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة. •• نحن أيضاً بحاجة إلى التصرف بواقعية مطلقة.. وإلى إغلاق الكثير من "الصنابير" المفتوحة.. تفادياً لأي أضرار كبيرة قد تلحق بنا إذا نحن استمررنا في معدلات الإنفاق الحالية.. وتجاهلنا الآثار المدمرة على الاقتصاد الوطني.. واستسلمنا لمخاوفنا.. بدل العمل على تجاوزها بسلسلة من الإجراءات المانعة لها.. للمحافظة على معدلات النمو الطبيعية في مثل الظروف التي نمر بها. • ضمير مستتر: •• تحمل وطأة الشدائد لفترة من الزمن.. أفضل من الانهيار الذي يتسبب فيه تجاهلنا للمشكلات التي تنخر في جسدنا في النهاية..
مشاركة :