نساء.. جزيرة العرب - اميمة الخميس

  • 11/11/2013
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن وجود المكون الأنثوي في تاريخ جزيرة العرب هامشياً أو محجوباً أو متواريا، سواء قبل الإسلام أو بعده، حيث كانت حاضرة بتمام فاعليتها تدير العديد من الأدوار الحيوية في محيطها الأسري وانتقالا إلى دائرة اجتماعية أوسع. وإن كانت بعض المصادر التاريخية تحاول أن تحصر تاريخ المرأة العربية في قضية الوأد الجاهلي، ففي هذا ظلم وحجب للحقيقة التاريخية التي أكدتها العديد من المصادر، فاضافة إلى أن الوأد كان محدودا جدا في بعض القبائل، كان على الجانب الآخر يوازيه تمكين وتميز واستقلالية في القرار، وكانت بعض القبائل العربية تشترط عصمة المرأة بيدها فإذا قررت أن تفارق زوجها يحولن أبواب أخبيتهن إن كانت إلى الشرق فإلى الغرب، وإن كانت إلى الشمال فإلى الجنوب. هذا بالاضافة إلى فاعليتها الاقتصادية كتاجرة فتذكر المستشرقة باتريشا كرون في كتابها (تجارة مكة وظهور الإسلام) اسماء عدد من النساء القرشيات والعربيات اللواتي كن يعملن بالتجارة، منهن والدة الصحابي عبدالله بن أبي ربيعة التي كانت تعمل في بيع العطور الثمينة، وتشير إلى نقش بكتابة حميرية قديمة اكتشف في حضرموت ويتحدث عن أربع عشرة امرأة قد وفدن على حاكم حضرموت من قريش، كوفد تجاري لتبادل السلع، ولعل هذه الملاءة المالية كان يصحبها ملاءة في تكوينها الشخصي، ويذكر بهذا الخصوص المؤرخ قيس الجنابي حادثة مرور هاشم بن عبد مناف جد الرسول صلى الله عليه وسلم بسلمى بنت عمرو بن زيد (حيث صادف امرأة في سوق النبط على موضع مشرف تأمر مما يشترى ويباع حازمة في جلدة مع جمال) فأعجبته وطلب أن يتزوجها. وهذا ما أكدته د. هتون الفاسي في كتاب (تاريخ المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام) فبعد دراستها وتحليلها للنقوش والكتابات في شمال جزيرة العرب توصلت إلى حضور المرأة الفاعل واستقلاليتها الاقتصادية بحيث كانت تتولى أمور البيع والشراء، وتوقع عقودها دون حاجة إلى وكيل أو ولي أمر. بالطبع بعد هذا اتى الإسلام ليتمم مكارم الأخلاق بل ويضيف لها ويرسخها ويؤكد مساواتها وموازاتها لشقيقها الرجل (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا). وكتاب عبدالحليم أبو شقة (تحرير المرأة في عهد الرسالة) من أهم الكتب التي تناولت المرأة كجزء ليس فقط حاضرا، بل فاعل ومؤثر في دعم مسار الدعوة. وما نشاهده ونسمعه اليوم من تربص بالمرأة ومحاولة طمس حضورها وتغييبها وشل فاعليتها، هو أمر طارئ على تاريخ المكان وطبيعته. التربص بتمكين المرأة وهدم منجزها الحضاري ابتدأ من اقترابها من مواطن صناعة القرار وصولا إلى عملها كبائعة محتشمة تسعى إلى عفة اللقمة الحلال، هو أمر متطرف بدائي ولاينتمي لتاريخ وعراقة حضارة جزيرة العرب. وكل من ضارها وحجبها وتربص بها لايمثل إرث وتاريخ المكان، بل هو توجه منحرف خاضع لنوع من الوسواس القهري، لدى صاحبه مشكلة في التعامل مع غرائزه فيحاول أن يحل هذه المشكلة عبر إلغاء وطمس وتغييب النساء تماما من المشهد. ما يحدث من قبل بعض الجهات والأفراد هو انحراف تاريخي متطرف.. نرجو أن يعود إلى صوابه، وألا تدفع النساء أثمانه المزيد من السنوات المعطلة لعجلة التنمية..

مشاركة :