بلاد العُرب - أميمة الخميس

  • 4/11/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

على امتداد القرن الماضي تلطخ مصطلح القومية العربية وتحمل من الأوزار والنعوت ما طمس جوهره وقيمه، ليس فقط من أعدائه بل أيضاً من محبيه ومعتنقيه وأولئك الذين كانوا يظهرونه بصوره متطرفة مليئة بالعنتريات الكاريكاتيرية وزعيق خطب الجماهير والحشود. ولم ينتقل مصطلح القومية قط من أرض النظرية إلى تجسيد الواقع بل ظل ضمن التيارات المتجاذبة إلى حد العراك في العالم العربي للفوز بشرف تحرير فلسطين، فلا تحررت فلسطين ولا استرد العرب قميص عثمان!. في المناهج التي كتبها (الاخوان المهاجرون لنا بعيداً عن نير القومية الناصرية في مصر) كانوا قادرين على شيطنة القومية ببراعة وجعلها عدوة الإسلام الأولى، ونسبها إلى حفنة من المسيحيين العرب، دون الإشارة إطلاقاً إلى دورها في نجاة العربية من العثمنة والتتريك. بينما في المعسكر الآخر كان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة فباتت العروبة قوالب من الحشو اللفظي مفرغة من مشروعها الحضاري وقيمها الإنسانية، رشاش لغوي سريع الطلقات تلوح به ديكتاتوريات العسكر، دون أن يتحول لمشروع نهضوي يستلهم روح العروبة ويستثمر في طاقات شعوبها، ويكون رابطاً لمساحة شاسعة تحتل قلب العالم القديم، تحتشد بالثروات المادية والبشرية. في النهاية نضح الإناء العربي بما كان فيه من تخلف وهيمنة فكر الخرافة، مصحوباً بالاستبداد والجهل، وفشلت القومية ولاذت بعيداً عن كل هذا بمتحف التاريخ. اليوم العالم العربي يقف على منعطف تاريخي حساس وخطر، والتطورات الإقليمية حوله تتطلب منه تحركات استباقيه حثيثة وسريعة، حتى لا تنحصر تحركاتنا في خانة ردة الفعل كالعادة. فما ظهر للعالم من اتفاقية لوزان بين الولايات المتحدة وإيران، وهو جزء يسير مما خفي من تفاصيل تلك المعاهدة بين إيران والقوى العظمى (5+1) والتي تسعى إلى فرض مصالحها وهيمنتها في المنطقة وفق مايناسبها من التحالفات، وكما تبدى من بنود الاتفاق المعلن أن إيران لن تستعمل قوتها النووية لمدة 15 عاماً، لكنها ستظل تمتلك البنية التحتية للنووي!! بينما 22 دولة عربية لا تمتلكها، فإذا أضفنا لهذا الأجندة التوسعية التي تتبناها إيران دوماً، والتي يبدو أنها مكون قديم في الوجدان الشعبي والثقافي الفارسي، ولا يعدم فرصة إلا ليعاود الظهور وفق أجندة منظمة ذات نفس طويل وحس شعوبي يضرب جذوره في عمق التاريخ. نعلم عندها طبيعة المواجهة الإقليمية التي يخوضها العرب يدخل ضمن أدواتها مرتكزات قومية، ولعل انطلاق عاصفة الحزم بإجماع وتحت سقف عربي كانت البداية التي ليس فقط تستعيد كلمة العروبة من رف التاريخ مما علق بها من التهم والشعارات، بل توضئها وتطهرها، وتستنطق جميع الطاقات الكامنة داخلها، وتستعيد تلك الأحلام التي كانت تراود مؤسسيها الأوائل بأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ولتصبح بدورها رابطاً قومياً، لأمة كبرى تمتد من المحيط إلى الخليج تشترك في العقيدة واللغة والتاريخ، فتخرج لنا عروبة جديدة نضرة قد اغتسلت من وعثاء المغامرات والانقلابات العسكرية والعواصم التي كانت تتقاذف فيما بينها (ميشيل عفلق) كجزء من برستيجها العروبي. المفارقة البائسة أننا الآن وأثناء احتدام مواجهتنا مع الفرس، مابرحنا نسمع تلك الطروحات الإخونجية الفاقعة ذات الصبغة الطائفية (مثل افتخر بأنني طائفي، أو نحن في اليمن نحارب مسلمين وعرباً) وهذا بالتأكيد نتاج غياب المنطلقات الوطنية لحساب الأممية!! بالإضافة إلى سذاجة الفكر وعجزه عن التحليل وقراءة المشهد بعمق يتحسس الخطر الذي يهدد الأوطان. بلاد العرب.. أوطاننا تستحثنا لصناعة مشروع يناهض المشروع الفارسي في المنطقة، الجامعة العربية باتت كياناً هرماً هزيلاً، بحاجة إلى دماء شابة تستبدلها بمشروع يمتلك مقومات الحياة والفاعلية.. كالاتحاد الأوروبي كمثال. نحن بحاجة إلى عروبة المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، عروبة ضابطة لميزان التوازنات الإقليمية، عروبة تستنطق المكون النهضوي في أجيالها القادمة، وتستثمر في منطقة غنية ومزدانة بالثروات لصناعة نموذج حضاري ودول مدنية حديثة، تقوم على استقلال السلطات، واحترام الحريات، وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية، تسعى لرفاهية المواطن مع الإدارة الذكية لثرواته الهائلة، لتقديم نموذج متفرد للمجتمع العالمي عن قلب العالم القديم ومهد الرسالات والحضارات. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net

مشاركة :