لقد كان تصريحكم يوم الخميس الماضي الموافق 23 يوليو 2015م من القلب إلى القلب، من مواطن بحريني مسؤول كرَّس حياته لوطنه وتحمَّل شرف مسؤولية الحفاظ على أمنه في مرحلة من تاريخ البلاد غاية في الحساسية والخطورة، ورجل لم يهدأ ولم يتوقف للحظة لإدارة الأحداث المؤسفة التي مرَّت وتمرّ بها مملكة البحرين منذ عام 2011م، بل استمر حاملاً لواء المسؤولية بكل أمانة وإخلاص، مدافعاً عن مبادئ ومصالح الوطن ونهج مليكه الإصلاحي بكفاءة واقتدار. إن مقالي اليوم يأتي في سياق بيانكم الأخير، وذلك بعدما اتخذت التدخلات الإيرانية في الشأن البحريني منحنى عدائياً سافراً، وأبعاداً تجاوزت حدود الجوار واللياقة الدبلوماسية والأعراف والمواثيق الدولية، مما يقتضي ضرورة تصحيح ركائز البيت الخليجي من الولاءات المزدوجة، وأن تعمل دول مجلس التعاون كمنظومة أمنية متكاملة أمام التهديدات الخطيرة. فمن المعلوم أن للأمن الإقليمي أهمية قصوى لمنطقة الخليج العربي، وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن الخليجي الذي أرى أن له أطرا أربعة، هي: 1. الإطار الوطني: أي أن تقوم كل دولة من دول المنطقة بحماية أمنها الوطني بقواها الذاتية. 2. الإطار الخليجي: الذي يقوم على عدد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية، منها تشكيل قوة درع الجزيرة في نوفمبر 1982م، وإقرار الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون في ديسمبر 1994م، واتفاقية الدفاع المشترك في ديسمبر 2000م، وتعتبر جميعها أركاناً مهمة للعمل الخليجي المشترك في المجالات الأمنية والعسكرية من أجل الاستقرار والدفاع عن أراضي دول المجلس ومصالحها المشتركة وتطلعات وآمال شعوبها. 3. المستوى الإقليمي العربي: والذي يأتي في إطار التمسّك بمعاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي الموقعة عام 1950م وماتضمنته من مبادئ تتفق والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. 4. الإطار الدولي: مع الدول الصديقة والحليفة التي لديها مصالح مهمة في المنطقة، مما يتطلَّب تعزيز العلاقات العسكرية والدفاعية معها نظراً لدورها التاريخي في تثبيت وحفظ أمن واستقرار منطقة الخليج العربي التي تعتبر مصدراً مهماً لإمدادات الطاقة التي تحتاج إليها تلك الدول، وإن تغيرت أولوياتها في الآونة الأخيرة. إن الارتباط الوثيق بين الأمن الخليجى والأمن الإقليمي فرضته عوامل الجغرافيا والتاريخ بين دول مجلس التعاون على السواحل الجنوبية للخليج العربي وبين إيران والعراق على السواحل الشمالية للخليج العربي وهما الدولتان الكبيرتان قوةً وتعداداً بشرياً، واستراتيجياتهما القائمة على السيطرة والهيمنة ومد النفوذ في المنطقة باستخدام البحرين كجسر لتحقيق هذه الأهداف، لذلك كانت التدخلات الإيرانية السافرة في شؤون مملكة البحرين الداخلية منذ المحاولات الانقلابية التي تعرَّضت لها المملكة ووقفت وراءها إيران في ثمانينيات القرن الماضي اداة ومدخلا لتنفيذ مخططاتها التي ظَهرت بشكل علني واقوى منذ العام 2011م من خلال التصريحات العدائية والمستفزة ضد البحرين التي لم تتوقف حتى يومنا هذا، إلى جانب العراق الذي يمارس ذات السياسة العدائية ضد البحرين والمملكة العربية السعودية، وكان آخرها ما أدلى به نوري المالكي نائب الرئيس العراقي بأن ... السعودية هي منبع الإرهاب في العالم وعلى الأمم المتحدة أن تضعها تحت الوصاية الدولية. والسؤال هنا: لماذا يستمر العراق وهو البلد العربي الجار في التعاون والتنسيق مع إيران لتدريب الإرهابيين بمعسكرات أُعدّت لهذا الغرض على أراضيه، وتهريب مواد وأدوات التفجير إلى مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية لزعزعة أمنهما واستقرارهما وترويع مواطنيهما وخَلق حالة من التوتر واللا استقرار في منطقة الخليج العربي بشكل عام؟ لقد كان الأجدر بالعراق أن يضع حلولاً لمشاكله الداخلية المتفاقمة على كافة الأصعدة، ويعالج عواقب الطائفية المقيتة التي تنتهجها حكومته، ويضع الحلول الإنسانية لمعاناة المواطنين السُنّة المضطهدين من قِبل الحكومة، تلك الحكومة التي من المفترض أن تكون أكثر حكمة وعدالة مع الجميع دون تمييز طائفي أو اثني، وأن يفكر ملياً في تأسيس علاقات أخوية متينة وبناء الثقة مع أشقائه دول مجلس التعاون التي بذلت ما فاق طاقاتها لأجل استعادته لحريته واستقلاله وسيادته، وقدَّمت كل التسهيلات العسكرية والدعم المالي لأجل الإطاحة برئيسه السابق صدام حسين، إلا أنه وللأسف الشديد فإن ذلك البلد العربي الجار والشقيق ضرب بأشقائه عرض الحائط، وارتمى في أحضان إيران ليؤكد طائفيته ويثبت للعالم مدى سيطرة طهران التامة على قراراته السيادية. أما الجمهورية الإسلامية الإيرانية فتلك قصة أخرى معلومة التفاصيل والنوايا، فهي بلد يدَّعي الدفاع عن حقوق الإنسان في مملكة البحرين، ويستغل الشعارات الفضفاضة لمبادئ حقوق الإنسان لتحقيق أهدافه وأطماعه الخفية والحقيقية بالتدخل في شؤون البحرين الداخلية، وإقامة جمهورية إسلامية في هذا البلد الخليجي على غرار الجمهورية الإيرانية وتدين بالولاء الكامل لها، وهذا ما أعلنته المعارضة البحرينية صراحةً في 7 مارس 2011م وأثبته تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وتحديداً في الفقرات رقم 413,414,506 من التقرير والتي لا يتسع المجال لسردها في هذا المقال ويمكن للقارئ الكريم الرجوع إليها من خلال الموقع الإلكتروني للجنة (www.bici.org.bh)، إلا أنها أي المعارضة البحرينية - تتبرأ الآن من كل ذلك وتنكره. وقد تجاهلت إيران عمدا - في خضم حماسها لتحقيق أهدافها الخبيثة - أوضاع حقوق الانسان المتدهورة فيها ومأساة شعبها المظلوم الذي يعيش أقسى أنواع القهر والكبت والقمع والانتهاكات والحرمان من أبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة بشهادة المنظمات الدولية. لذلك فإن التدخل الإيراني المستمر بمختلف أنواعه في شؤون البحرين الداخلية، سواء بالتصريحات والمغالطات التي يطلقها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي وكافة المسؤولين الإيرانيين، أو بإثارة القلاقل ودعم العمليات الإرهابية في البحرين، أو بإيواء الهاربين من العدالة، أو بتمادي وتسابق القنوات الفضائية المحسوبة على إيران للإدلاء بالأكاذيب وبث التقارير الخبيثة والمغلوطة عمّا يجري في البحرين وتعمّد الإساءة للعلاقات بين البلدين، أو بفتح معسكرات الحرس الثوري الإيراني لتدريب الإرهابيين الذين هم في الأساس مواطنون بحرينيون للأسف وتزويدهم بالمواد المتفجرة والأسلحة، وهذا ما دلَّت عليه الكثير من الشواهد وكان آخرها ما أُعلن عنه يوم السبت الماضي 25 يوليو 2015م من احباط عملية تهريب كمية من المواد المتفجرة والأسلحة الأوتوماتيكية والذخائر عن طريق البحر، تبقى الأهداف من كل ذلك: أولاً: إبقاء منطقة الخليج عموماً في حالة توتر وعدم استقرار، مما يساعد على تحقيق التغيير المنشود وتنفيذ الرؤية الأمريكية المُعلن عنها عام 2005م بتشكيل شرق أوسط جديد، بالاعتماد على الحليف الجديد في المنطقة والذي تم توقيع الاتفاق النووي معه مؤخراً دون مراعاة لمصالح دول مجلس التعاون التي ظلت لعقود الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية. ثانياً: استمرار زخم التدخل الايراني دون ملل مع استمرارالتغطية او الحملة الإعلامية التي تقوم بها إيران لإقامة دولة ولاية الفقيه التابعة لها في البحرين كما هو الحال في العراق. وأمام التطورات الخطيرة في المنطقة والمتعلقة بالتقارب والتحالف الأمريكي الإيراني، واستمرار الحملة الإعلامية الإيرانية والعراقية الشرسة ضد مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، والأعمال الإرهابية المتطرفة والمتزايدة التي لا تمت للإسلام بصلة ويقوم بها تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، فإن الأمر يتطلَّب من دول مجلس التعاون الاستعداد لاتخاذ قرارات مصيرية حاسمة، فبعد خمسة وثلاثين عاماً على قيام منظومة مجلس التعاون يمكننا القول بأنه رغم الإمكانيات الضخمة التي يمتلكها المجلس فإنه لم يحقق أهداف نظامه الأساسي في الاتحاد، والذي نصَّت عليه المادة 4 عبر تحقيق التنسيق والتكامل والترابط فيما بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها. وما أراه في ظل هذه الأوضاع المتأزمة في المنطقة العودة إلى المرجعية المهمة التي تضمَّنتها رؤية سيدي صاحب الجلالة الملك المفدى وأقرتها قمة الكويت عام 2009م وشددت على أهمية التركيز على الشراكة الخليجية القائمة فعلاً، والعمل على تنفيذ القرارات التي اتفق عليها قادة دول المجلس بالإجماع في السنوات الماضية، وذلك لتعزيز المواطنة الخليجية من أجل تسريع وتيرة التكامل والارتقاء بالعمل الخليجي المشترك فيما بين دول المجلس لحمايتها من التهديدات والمخاطر التي هي ليست بخافية على أبسط الناس، وبذلك تكون قد وضعت الخطوات الثابتة لحماية أمنها ومواطنيها والوقوف صفاً واحداً متحداً ومتماسكاً، وتشكَل درعاً منيعاً وحصناً حصيناً في مواجهة كافة التحديات أيّ كان مصدرها.
مشاركة :