تحقيق إخباري: صناعة "الذهب الأبيض" تقترب من الاندثار شرق العراق

  • 9/10/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعقوبة، العراق 9 سبتمبر 2020 (شينخوا) بالرغم من قدم صناعة الملح في العراق والتي تدخل في أغلب الأطعمة التي يتناولها الناس بحيث اطلقوا عليها اسم "الذهب الأبيض" الا أنها مهددة بالاندثار، بسبب الإهمال وعدم وجود خطط حكومية لدعمها والمحافظة عليها. وشهد القطاع الصناعي في العراق تراجعا كبيرا بعد الاحتلال الأمريكي العام 2003 بسبب تدهور الوضع الأمني وانهيار منظومة الكهرباء وتفشي الفساد المالي والإداري، وفتح الحدود أمام البضائع الأجنبية دون ضوابط أو جمارك، ما أدى إلى إغلاق آلاف المصانع الحكومية والخاصة لعدم وجود خطط اقتصادية لإعادة تشغيل هذه المصانع. في أطراف بلدة بني سعد قرب الحدود الادارية الفاصلة بين العاصمة بغداد ومحافظة ديالى شرقي البلاد يقف اركان عبد الامير (30) عاما أمام آله متوسطة الحجم لصناعة ملح الطعام متوقفة منذ أشهر، ويشير بيده اليمنى إلى آلتين متوقعا توقفهما في وقت قريب بسبب إغراق الأسواق بالبضائع المستوردة وعدم وجود أي دعم حكومي لمهنة توارثتها اسرته منذ قرابة 40 سنة. وقال عبد الامير لوكالة أنباء (شينخوا) إن "صناعة ملح الطعام من الصناعات المؤغلة بالتاريخ ولا يوجد سقف زمني لتحديد وجودها في ديالى، وقد تحولت إلى مهنة لدى العديد من العوائل من خلال استخدام أدوات بسيطة ثم تطورت مع الوقت لاستخدام بعض الآلات لإعداد الملح ومن ثم وضعه في أكياس قبل إرساله للاسواق". ويقر عبدالامير الذي ينتمي لأسرة تعمل في صناعة الملح منذ نحو 40 سنة تقريبا بأن مستوى التسويق لإنتاجه في عقد الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أكبر بكثير منه بعد الاحتلال الأمريكي العام 2003، حيث بدأت الأحوال بالتدهور مع تدفق المستورد وبكميات كبيرة جدا. وأضاف "إن صناعة الذهب الأبيض في طريقها للاندثار اذا لم تتخذ اجراءات من قبل الحكومة لدعم هذا القطاع خاصة وان هناك مناطق كثيرة يتوفر فيها الملح الخام ليس في ديالى فحسب بل في محافظات أخرى ومنها البصرة". وتساءل "كيف نستورد الملح؟ ونحن لدينا كل هذه المناطق التي يمكن أن تنتج آلاف الأطنان سنويا". أما أم عروبة وهي إمرأة مسنة تستذكر عملها في تجميع الملح من خلال مناطق تغمرها المياه في أطراف بني سعد ثم تجف ليجري بعدها تجميعه ويصبح اشبه بالتلال التي ترتفع عن الأرض لمتر أو أكثر ثم ينقل من خلال مركبات خشبية تجرها الخيول إلى معامل صناعة الملح". وأشارت السيدة التي تجاوزت عقدها السادس إلى أن الملح يتجمع على شكل أكوام مشابهة للتلال، وكانت تبيع الكوم الواحد ما بين (5 و 8 دنانير) في ذلك الوقت وهو مبلغ جيد كونها كانت تصنع أكثر من كومة واحدة. وأفادت بأن الملح العراقي يمتاز بجودته وكان يصدر إلى خارج العراق في تلك الفترة. بدوره، قال نجم السعدي مدير ناحية (أعلى مسؤول اداري) بني سعد (25 كم) جنوب غرب بعقوبة مركز محافظة ديالى "إن صناعة الملح في بني سعد بشكل خاص برزت قبل أكثر من 100 سنة وتعد بني سعد مركز صناعة الملح في ديالى كلها لامتلاكها لخمسة مصانع لانتاج ملح الطعام. وأضاف السعدي أن "الملح المنتج رغم انه يتم من خلال أدوات بسيطة لكن جودته أفضل من المستورد، لكن للاسف حتى هذا المنتج لم يسلم من فوضى الاستيراد لتغرق الاسواق بأنواع كثيرة ما يدفع المصانع العراقية إلى الاغلاق الواحد تلو الآخر". وأكد السعدي أن معامل بني سعد قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة ملح الطعام خلال سنة من الآن في حال تم وقف الاستيراد لهذه المادة. وتابع "إن هذا القطاع الذي يراه البعض بسيطا، إلا أنه يوفر فرص عمل لمئات بل آلاف العمال ويخلق انتعاشا اقتصاديا خاصة في ظل وجود مناطق جرى إهمالها في السنوات الماضية تمثل مصدر الملح". إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي صلاح العزاوي "إن مصانع ديالى كانت تنتج في عقد الثمانينيات من القرن الماضي من (30 - 40) مادة صناعية وغذائية بينها ملح الطعام بأربعة أنواع وهي تسد جزء كبير من احتياجات الاسواق المحلية خاصة العاصمة بغداد". وأضاف العزاوي أن "بني سعد تعد أكبر منطقة صناعية في ديالى وتضم أكثر من 400 معمل ومصنع وورشة، لكن 96 بالمائة منها متوقف الآن". وأوضح أن صناعة الملح ربما هي الوحيدة التي ما تزال تقاوم كل الضغوط والمؤثرات ومنها الاستيراد والاهمال، رغم أنها ما تزال تتم وفق الأساليب التقليدية، فضلا عن تواضع عمليات تسويقه، داعيا اصحاب المعامل إلى تدارك هذا الخطأ واعتماد اساليب حديثة وطرق متنوعة لتسويقه. بدوره، قال خليل العبيدي تاجر مواد غذائية "هناك خطأ كبير ترتكبه الصناعات العراقية المعنية بالأغذية بكل عناوينها وهي عدم إدراكها لأهمية ملف التسويق والدعاية ودفع الزبائن للإقبال على بضائعهم". وأشار إلى أن أغلب الدول تنفق أموالا طائلة على ملصقات الماركات الغذائية من ناحية النوعية، مبينا أن النوع المحلي من الملح أكثر جودة من المستورد. وأضاف العبيدي أن "الصناعات العراقية ومنها ملح الطعام يمكن احياؤها بشكل كبير لو توفرت الارادة من ناحية خلق معادلة بين الاستيراد والمنتج الوطني مع فرض الضرائب لكي يكون التنافس عادلا في من حيث الشعر لأنه العامل الأهم في الأسواق". ويؤكد الجميع على ضرورة تدخل الحكومة لانقاذ الصناعة العراقية من خلال وضع تشريعات تقلل من المستورد وتدعم الصناعات الملحية، وهذا سوف يخلق فرص عمل جديدة تساهم في تقليل عدد العاطلين عن العمل في البلاد. /نهاية الخبر/

مشاركة :