«أخبار الخليج» تنفرد بنشر حيثيات عدم دستورية تمديد فترة «التحقيق النيابية»

  • 9/11/2020
  • 23:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كتب: إسلام محفوظأرست المحكمة الدستورية مبادئ قانونية للعمل البرلماني في مملكة البحرين من خلال تأكيدها أن سلطة التشريع في تنظيم الحقوق سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة، وأن اختصاص السلطة التشريعية بسن قوانين لا يخولها التدخل في أعمال أسندها الدستور لسائر السلطات وإلا كان ذلك افتئاتا على عملها وإخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات الذي حرص الدستور على تأكيده بوصفه الحاكم للعلاقة المتوازنة بين السلطات العامة في الدول.جاء ذلك في حيثيات الحكم الذي تنفرد «أخبار الخليج» بنشره، حول عدم دستورية تمديد فترة لجان عمل التحقيق البرلمانية لأكثر من أربعة أشهر، حيث أكدت المحكمة مبدأ سمو الدستور، باعتباره نتاج الإرادة الشعبية التي تسمو على سائر سلطات الدولة، وأن أي أداة تشريعية أدنى -سواء كانت في صورة قانون أو لائحة- لا يجوز أن تخالف الدستور، ويعد مبدأ سمو الدستور أساس الرقابة على دستورية التشريع.وذكرت المحكمة أن الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة رقابة متوازنة، تتمثل في رقابة مجلس النواب على أعمال السلطة التنفيذية، وفي الوقت ذاته التعاون بينهما، وعدم إعاقة نشاط الحكومة وهو ما حدا بالمشرع الدستوري أن يضع حدا أقصى للمدة المقررة لتقديم نتيجة التحقيق البرلماني قدرها بألا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ بدء التحقيق حتى لا يؤدي عدم البت فيها خلال فترة معقولة إلى التساؤلات والخلافات، مما يعوق سير العمل الحكومي المعتاد ويؤثر في كفاءته سلبا بما يلقيه من أعباء متابعة التحقيق البرلماني لمدة غير معلومة على النحو الذي يثقل كاهل مجلس الوزراء والإدارات المعنية في مختلف الوزارات، ويحول بينها وبين تركيز اهتمامها بتقديم الخدمات للمواطنين.اختصاص المحكمةوقالت المحكمة في بداية حيثيات الحكم إن تقرير اختصاصها ولائيًا بنظر الدعوى يسبق الخوض في شروط أو موضوعها، وخاصة أن الطلب الماثل أمامها يمكن أن تثور بشأنه نظرية أعمال السيادة، مما قد يؤدي إلى القضاء بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الطلب، لانطوائه على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث أشارت إلى أن المقرر في قضاء المحكمة إن كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تجد أساسها -كأصل عام- في مبدأ الشرعية وسيادة القانون الذي أرساه الدستور، إلا أنه قد يرد على هذا الأصل قيد يقضي باستبعاد ما اصطلح عليه الفقه والقضاء «بالأعمال السياسية» في مجال الرقابة القضائية، وذلك على اعتبار أن خروجها من ولاية القضاء يعد أحد صور التطبيق الأمثل لإعمال مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات الذي يوجب إقامة توازن دقيق بين السلطات الثلاث، ويتمثل مضمون هذا المبدأ في أن يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وفقًا لأحكام هذا الدستور، ولا يجوز لأي من السلطات الثلاث التنازل لغيرها عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها في هذا الدستور، وأن تلتزم كل سلطة حدود اختصاصها، وألا تعتدي أو تتعدى على اختصاصات غيرها، أو تتخلى هي عن اختصاصاتها لسلطة أخرى، إلا في حدود التفويض التشريعي المحدد بفترة معينة وبموضوع أو موضوعات بالذات، ويمارس وفقًا لقانون التفويض وشروطه. إلا أنها أشارت إلى أن الأعمال السياسية وصف لم يحدده الدستور أو القانون بحدٍ، فقد دل ذلك على رغبتهما في ترك مهمة تحديده للقضاء وحده، فهو الذي يعطيه وصفه الحق وتكييفه القانوني الصحيح، وذلك على ضوء طبيعة الأعمال وحقيقتها، من دون اعتداد بالأوصاف التي قد يخلعها المشرع عليها، متى كانت طبيعتها تتنافى مع هذه الأوصاف، حيث أكدت أن الدستور هو القانون الأساس الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم وأن النص المطعون فيه جاء مخالفا للدستور ومن ثم لا يكون تناول مسائل سياسية بمنأى عن الرقابة الدستورية التي تمارسها المحكمة الدستورية. وقالت إن نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وليس للمحكمة الدستورية إقحام نفسها في رقابة الأعمال السياسية التي عهد بها إلى إحدى السلطتين أو تعقب على سلطتهما التقديرية إلا أنها أكدت أيضا أن الطعن الذي نظرته قد صدر في شأن نظمه الدستور ويتعلق بالتحقيق في أمور تدخل في اختصاص مجلس النواب نص عليه الدستور وحدد له إطارا زمنيا وقيدا صريحا ينبغي على سلطة التشريع أن تلتزمه وإلا جاء عملها مخالفا للدستور، وبذلك يكون طعن الحكومة على تلك المادة من الأمور التي تختص المحكمة بنظرها والفصل فيها.مبدأ سمو الدستوروأشارت إلى أن الدعوى المعروضة أقيمت بطلب من مجلس الوزراء، للقضاء بعدم دستورية نص المادة (163) من المرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002، بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب، على سند أن هذا النص المطعون فيه قد منح مجلس النواب سلطة تجاوز أحكام الدستور، وتتمثل هذه السلطة في إمكانية مد المدة المقررة لتقديم نتيجة التحقيق البرلماني بعد انتهاء مدة الأربعة أشهر المقررة من تاريخ بدئه، وذلك لمدة أو لمدد أخرى لا تجاوز جميعها أربعة أشهر، أو اتخاذ ما يراه مناسبًا، مخالًفا بذلك نص المادة (69) من الدستور، وكانت هذه المخالفة الدستورية المدعى بها تنحصر في الشطر الثاني من النص المطعون فيه، وهو «إذا تعذر تقديم التقرير إلى المجلس في الميعاد المقرر، وجب إعداد تقرير للمجلس يتضمن العقبات والأسباب التي أدت إلى هذا التأخير، وللمجلس أن يمد هذه المهلة لمدة أو لمدد أخرى لا تتجاوز جميعها أربعة أشهر أو يتخذ ما يراه مناسبًا في هذه الحالة». وأكدت المحكمة أن مبدأ سمو الدستور يجد أساسه في أن القواعد القانونية، التي يتضمنها النظام القانوني القائم في أي دولة، ويأتي الدستور على قمة هذه القواعد القانونية، باعتبار أنه نتاج الإرادة الشعبية التي تسمو على سائر سلطات الدولة، مما مؤداه أن أي أداة تشريعية أدنى -سواء كانت في صورة قانون أو لائحة – لا يجوز أن تخالف الدستور، ويعد مبدأ سمو الدستور أساس الرقابة على دستورية التشريع، أيًا كانت صورة هذه الرقابة، وأن الدولة تلتزم أصلاً من أصول الحكم الديمقراطي، بالخضوع لمبدأ سيادة الدستور، وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور ويكون لازًمًا على كل سلطة عامة، أيًا كان شأنها وأيًا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، الالتزام بقواعد الدستور ومبادئه وإن خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضع – متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة- للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية.سلطة تقديريةوأكدت المحكمة أن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، ويتمثل جوهر هذه السلطة في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التي تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التي يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وكلما كان التنظيم التشريعي مرتبطًا منطقيًا بهذه الأغراض كان هذا التنظيم موافقًا للدستور بشرط تقيده بالضوابط التي حددها الدستور، مما مؤداه أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل في أعمال أسندها الدستور إلى سائر السلطات وقصرها عليها؛ وإلا كان ذلك افتئاتا على عملها، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات، الذي حرص الدستور على توكيده، بوصفه الحاكم للعلاقة المتوازنة بين السلطات العامة في الدولة، ومن بينها السلطتان التشريعية والتنفيذية. وقالت المحكمة إن الدستور قد أورد في ختام مقدمته أنه: «وقد تضمن هذا الدستور الذي أصدرناه التعديلات التي جرت وفقًا لما جاء في الميثاق متكاملة مع كافة نصوصه غير المعدلة، وأرفقنا به مذكرة تفسيرية يعتبر ما ورد فيها مرجعًا لتفسير أحكامه»، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن التفاسير التي تضمنتها المذكرة التفسيرية لنصوص الدستور تعتبر متممة لهذه النصوص، وملزمة لكل الهيئات في الدولة إلزام النص الدستوري نفسه، وفي هذا الصدد ورد بالمذكرة التفسيرية للدستور، التفسير للتعديل الذي أدخل على المادة (69) من الدستور، بشأن الحد الأقصى للمدة المقررة لتقديم نتيجة التحقيق البرلماني، وجاء في هذا التفسير: «أضافت هذه المادة نصًا يلزم لجان التحقيق البرلمانية، أو العضو المنتدب للتحقيق، تقديم نتيجة التحقيق خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ بدئه، والهدف من هذه الإضافة أن تستقر الأمور بصورة سريعة حتى لا يؤدي عدم البت فيها خلال فترة معقولة إلى التساؤلات والخلافات»، استحداث الدستور الحد الأقصى لمدة تقديم نتيجة التحقيق البرلماني، حيث قيد هذا الحد بأربعة أشهر من تاريخ بدء التحقيق ودون أن يسمح بتجاوز هذا الحد لأي سبب. مصالح الدولةوأشارت إلى أن الدستور أناط بمجلس الوزراء رعاية مصالح الدولة، ورسم السياسة العامة للحكومة، ومتابعة تنفيذها، والإشراف على سير العمل في الجهاز الحكومي، مما يتبين منه حرص المشرع الدستوري على ضمان الفصل المرن بين السلطات، وذلك برقابة كل منها لغيرها، دون أن يحول ذلك بين أي منها والأخرى في تعاونها من أجل تحقيق المصلحة العامة من جهة، ومصالح المواطنين من جهة أخرى، وهو ما يقتضي ضمان حسن سير المرافق العامة، واستمرار دوران دولاب العمل الحكومي اليومي الذي تباشره وتضطلع بمسؤولياته السلطة التنفيذية المنوطة بمجلس الوزراء، مما يتعين معه أن تكون الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة رقابة متوازنة، تتمثل في رقابة مجلس النواب لأعمال السلطة التنفيذية، وفي الوقت ذاته التعاون بينهما، وعدم إعاقة نشاط الحكومة أو وضع العقبات التي تحول بينها وبين تركيز اهتمامها بتقديم الخدمات للمواطنين، وهو ما حدا بالمشرع الدستوري أن يقرر بنص المادة (69) من الدستور حدًا أقصى للمدة المقررة لتقديم نتيجة التحقيق البرلماني، قدرها بألا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ بدء هذا التحقيق؛ رغبةً منه -وعلى ما أوضحت المذكرة التفسيرية للدستور – أن تستقر الأمور بصورة سريعة حتى لا يؤدي عدم البت فيها خلال فترة معقولة إلى التساؤلات والخلافات؛ مما يعوق سير العمل الحكومي المعتاد ويؤثر في كفاءته سلبًا، بما يلقيه من أعباء متابعة التحقيق البرلماني لمدة غير معلومة أو محددة سلًفا، على النحو الذي يثقل كاهل مجلس الوزراء والإدارات المعنية في مختلف الوزارات والأجهزة التابعة أو المعاونة لها. وحيث إن الدستور أوكل إلى مجلس النواب، بمقتضى نص المادة (69) من الدستور، أن يؤلف لجان تحقيق أو يندب عضوًا أو أكثر من أعضائه للتحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في اختصاصاته (مجلس النواب) المبينة في الدستور، إلا أن ممارسة المجلس لسلطته التقديرية في هذا المجال يحدها القيد الزمني الذي وضعه النص الدستوري، الذي بمقتضاه يجب تقديم اللجنة أو العضو نتيجة التحقيق خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ بدء التحقيق، وكان هذا القيد الزمني يتكامل، في الهدف من تقريره، مع مقتضى نص البند (أ) من المادة (47) من الدستور، من اضطلاع مجلس الوزراء برعاية مصالح الدولة، ورسم السياسة العامة للحكومة، ومتابعة تنفيذها، والإشراف على سير العمل في الجهاز الحكومي، وما يقتضيه ذلك كله من الانشغال المستمر بتقديم الخدمات اليومية للمواطنين، الأمر الذي حدا بالمشرع الدستوري إلى تقرير قيد الأربعة أشهر، مما يتفق مع مبدأ الفصل المرن بين السلطات المنصوص عليه في البند (أ) من المادة (32) من الدستور، بما لازمه وجوب التزام التنظيم القانوني الذي يقره المشرع بالمبادئ الضابطة لسلطته في هذا الشأن، التي يعد تحقيقها إعمالاً للمبادئ التي حواها الدستور، إلا أن النص المطعون فيه -وهو نص الشطر الثاني من المادة (163) من المرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002، بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب -المحدد- قد تصادم مع تلك المبادئ الدستورية، بتجاوزه المدة الزمنية المحددة بنص المادة (69) من الدستور، وخروجه عن نطاق السلطة التقديرية المقررة له بموجب هذا النص، بما يوقعه في حومة مخالفة أحكام الدستور المنصوص عليها في المواد (32) و(47) و(69) منه، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.أثر الحكموقالت المحكمة إن المرسوم بقانون الخاص بإنشاء المحكمة الدستورية نص على أن أحكامها وقرارتها الصادرة في المسائل الدستورية تكون ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة، ويكون للحكم الصادر بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، في جميع الأحوال، أثر مباشر، ويمتنع تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، ما لم تحدد المحكمة تاريخًا لاحقًا لذلك، ولذلك فإن الأثر المباشر لهذا الحكم يتمثل في أنه اعتبارًا من اليوم التالي لنشر الحكم في الجريدة الرسمية تسقط التحقيقات التي لم تقدم نتيجتها خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ بدئها.  وأضافت: إن المذكرة التفسيرية وضعت قيدًا آخر على الأثر المباشر للحكم بعدم الدستورية، إذ قررت أن هذا الأثر لا يؤثر في حق المدعي في الاستفادة من الحكم الصادر بعدم الدستورية، لأن الترضية القضائية هي الغاية النهائية لكل خصومة قضائية، ومن ثم يستفيد المدعي -مجلس الوزراء- تلقائيًا من ذلك الحكم بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ سريان النص المقضي بعدم دستوريته - وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – تطبيقًا لما أوردته المذكرة التفسيرية للدستور في هذا الشأن، وتتم هذه الاستفادة بقوة القانون من دون حاجة إلى النص عليها في منطوق الحكم. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية الشطر الثاني من المادة (163) من المرسوم بقانون رقم (54) لسنة 2002، بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب، الذي ينص على أنه: «وإذا تعذر تقديم التقرير إلى المجلس في الميعاد المقرر وجب إعداد تقرير للمجلس يتضمن العقبات والأسباب التي أدت إلى هذا التأخير، وللمجلس أن يمد هذه المهلة لمدة أو لمدد أخرى لا تتجاوز جميعها أربعة أشهر أو يتخذ ما يراه مناسبًا في هذه الحالة». وألزمت مقدم الطلب بالمصروفات. 

مشاركة :