إن ما شهدناه جميعًا من موقف المجند المصري؛ الذي لا يستطيع دفع قيمة التذكرة، وتفضيل النزول من القطار عن تلقي الإهانة. و المرأة المصرية التي أصرت على دفع قيمة التذكرة له. وعزة نفس المجند؛ الذي تخلق بأخلاق الجيش المصري، الذي يُصر على ألا تدفع له شيئًا . كل هذا يذكرني بمشهد آخر حدث أمام عيني. كنت استقل سيارة أجرة للعودة من السفر، وإذ بمجند يحمل حقيبته على قدمه ويجلس معنا، ولكن السائق رفض أن تظل الحقيبة معه، ولكن توضع فوق السيارة حتى يدفع لها مقابل. فقال المجند: احملُها على قدمي وادفع أجرة، فبها أكواب من الزجاج أخاف أن تُكسر، فإذا بالسائق يجر المجند ويُنزله من السيارة، وأنا أشاهد وغيري كثير، أصابتني دهشة لماذا يصمتون؟! متى يتحدثون ؟! فلم استطع الصمت أكثر من هذا، قُلت للسائق: سأنزل من السيارة إن لم يركبها المجند مرةً أخرى، وبالفعل نزلت وإذا بي انظر خلفي لأرى كل من كان بالسيارة على الأرض! الكل خلفي، الكل انتظر إشارة البدء آلمهم ما آلمني، الكل يهرول للمجند ويرجوه أن يركب معنا مرةً أخرى ولكن أبت عزة نفسه ، وركب سيارة أخرى ركبنا معه وتركنا السائق الذي تجرأ عليه وأهانه خلفنا. هذا المشهد وغيره كثير يحدث أمام أعيننا ولكن لن اتكلم عن عزة نفس المجند المصري لأن هذه سجية الجيش المصري فهو لا يُخرج إلا رجالًا أعزاء النفسِ كرماء. ولن أتكلم عن المرأة المصرية التي اختارت الحديث عند صمت الجميع وهي تردد عندي أبناء مثلك، أنا أم لك، لأني والله أرى أن هذه سجية المرأة المصرية التى ملأ الله قلبها بالرحمة والحنان. تلك المرأة التي نراها تربي أولادها وتقف بجانب زوجها، وتحسن تدبير شئون بيتها، كل هذا بجانب عملها، وتحقيق حلمها. امرأة عند الشدة والأزمات تساعد بكل ما تملك لتجاوز الشدائد، لا تسكت عن الظلم وترفعه بكل ما أوتيت من قوة، فهكذا عهدتك جدتي وأمي وعمتى، هكذا عهدت المرأة المصرية دائمًا. ولكن ما آلمني هو توجيه الإهانة إلى الشاب المصري، لماذا يهينه بتلك الطريقة؟ ما هذا التعالي في الحديث معه؟ إن ما نحن جميعًا في حاجة لتعلُمهِ هو أدب الحوار مع بعضنا البعض، كيفية الحديث بدون سب أو تقليل من شأن الآخرين وليكن دائمًا قوله تعالى " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا " {البقرة:٨٣}، نُصب أعيننا نتحدث من خلاله وفي ضوئه وإذا وجدنا انحراف في الحديث فليكن قول النبي- صلى الله عليه وسلم- "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" رواه الترمذي، مانعًا لنا من الوقوع في الخطأ. وفي الختام أقول كما قال تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" {آل عمران ١١٠}.
مشاركة :