حيرةٌ وقلقٌ، خوفٌ ورجاءٌ، ثم بشرى واعتراف بالخطأ، هذه المشاعر محور قصتنا اليوم.جلستُ بجوار صديقتي للِتّخفيف عنها وتثبيتها؛ فقد كان صغيرها ستُجرى له عملية قلب مفتوح، وبينما هي في خوفها وقلقها تدعو الله بتيسير الأمر عليها وترجو شفاء صغيرها كنت بجوارها أربط على قلبها، وأمسح بيدي دموعها، وبينما نحن كذلك أقبلت طفلةٌ صغيرة تنادي عليها جدتي تريد رؤيتك.همت صديقتي وهممت معها بالذهاب، حتى وصلنا إلى بيتٍ تقطن به امرأة ضريرة منذ نعومة أظافرها، وجهها يسطع منه نورًا ما رأيت مثل هذا الضياء من قبل، تحمل بيدها مسبحة إذا نظرت إليها تجدها قد نُحتت من أثار التسبيح عليها.أذنتْ لنا بالجلوس بالقرب منها ثم همستْ لصديقتي قائلة: بنيتي لما الخوف والقلق؟، هذه الأمانة لم ينقض أجلُها، فإذا بصديقتي تنظر إليّ وأنظر إليها في هدوء وصمت، فإذا بها تقطع صمتنا قائلةً: جاءني حبيبي ليلة أمس وأخبرني بالبشرى لكِ؛ سينجيه الله وسيعيش ما أذن الله له.فإذا بي أبادرها قائلةً: من حبيبك؟! أجابت: حبيبي وحبيبكِ وحبيبُ رب العالمين سيدنا محمد ﷺ الصادق الأمين.فقلت لها: أستحلفك بالله ماذا تفعلين؟ قالت: أنا امرأة كفيفة أمية ما حفظتُ من القرآن إلا اليسير، ولكني أصلي على سيدنا محمد صلاة نابعة من شخص ضرير، لم يرَ قلبه سوى النبي ﷺ الحبيب.يا بنيتي: ما وضعت رأسي حتى حاسبت نفسي هل صليت فرائضي؟ هل عصيت ربي؟ هل آذيت من حولي؟ هل أديت سنن حبيبي؟.ثم أقيم ليلي بسورة الفاتحة وسورة الإخلاص فأنا لا أحفظ غيرهما، أكررهما في كل صلاة.ثم اتجه لحبيبي بالصلاة ما أقول غير بضع كلمات" يارب أنت تعلم كم أحب حبيبك، فصلي عليه وعلى آله بقدر محبتي إليه"، والله يا بنيتي ما يمضي يوم إلا وحبيبي يمر عليّ.فوقفت مع نفسي برهة محاسبة لها؛ يا من تعلمتِ العلم الشرعي، يا من حفظتِ ما بين دفتي المصحف، متى حاسبتِ نفسك، ثم شعرت بأن هذه البشرى ما جاءت إلا لتوقظني من غفلتي، وتذكرني بتقصيري بفضل امرأةٍ ضريرة أنارت بصيرتي.وحينها تذكرت ما روته السيدة عائشة-رضي الله عنها- حينما قالت: سُئل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال:(أَدْوَمُها وإنْ قَلَّ) رواه البخاري.فهذه المرأة لم تتكلف العبادة بل اجتهدت بما في وسعها، داومت على اليسير القليل، أخلصت في محبة خير الخلق أجمعين، فكان الجزاء وصالًا مستديمًا.ولكن السؤال هنا:متى نفيق من غفلتنا، ونضيء بصائرنا؟!
مشاركة :