أفرزت انتخابات المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين فريقا شبابيا يحمل مشعل قيادة النقابة للسنوات الثلاث المقبلة، ويعلق عليه أبناء المهنة آمالا كبيرة من أجل إحداث التغيير المنشود لتحسين أوضاع الصحافيين وحل العديد من الإشكاليات القائمة منذ فترة. تونس- أسفرت انتخابات المكتب التنفيذي الجديد للنقابة الوطنية للصحافيين في تونس عن نتائج لم تكن متوقعة، حيث شكل صعود الشباب العنصر الأبرز مع تراجع قائمات توصف بأنها مدعومة من أطراف حزبية أو غيرها، ما جعل الأمل يحدو الصحافيين التونسيين في ’’تغيير ممكن‘‘ في مهنة يعول عليها كثيرا في قيادة الرأي العام خلال المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد. وساد تفاؤل كبير لدى الأوساط الصحافية منذ الإعلان عن نتائج المؤتمر في وقت متأخر من ليل الأحد بأحد نزل العاصمة التونسية، لاسيما أن قطاع الصحافة يعيش مشكلات كبيرة يُنتظر أن يتوجه المكتب الجديد لحلحلتها تباعا بعيدا عن التوجهات السياسية، حيث أكد بعض الصحافيين أن النتائج جاءت منافية لما أرادته ما أسموها بـ”الماكينة”. وقبل انطلاق المؤتمر، تفاقمت المخاوف من أن تضع بعض الأطراف يدها على النقابة في مناخ سياسي متوتر أصلا، وتسعى فيه بعض الأطراف للسيطرة على قطاع الإعلام. وأطلق صحافيون حملة تحت شعار ’’اخلع حزبك.. أنت في حضرة صاحبة الجلالة‘‘. شهادات وأدلى 1700 صحافي من مختلف المؤسسات الإعلامية والصحافية في تونس بأصواتهم في انتخابات المؤتمر الذي انتظم يومي التاسع عشر والعشرين من سبتمبر الجاري. ونجحت وجوه شابة في الصعود لتشكيل المكتب الجديد وهي: أميرة محمد، فوزية الغيلوفي، ياسين الجلاصي، وجيه الوافي، ريم سوودي، رمزي أفضال، عبدالرؤوف بالي، سامي النصري وياسين البحري. وقالت ريم سوودي إن ’’نتائج انتخابات المكتب التنفيذي نتاج مسار كامل توج بهذه النتائج.. الصحافي التونسي كانت الحيادية والاستقلالية بوصلته الدائمة لذلك نقابة الصحافيين لم تكن من النقابات المسيّسة‘‘. وأضافت سوودي، وهي صحافية بجريدة “الصباح” اليومية، في تصريح لـ”العرب” إن ’’المكتب الجديد هو مكتب شبابي بامتياز.. صحيح غابت عليه الوجوه التي تعودنا عليها خلال السنوات الماضية لأنها هي التي سلمت المشعل لجيل العقد الرابع إن شئنا، وهو جيل كان في الصف الثاني خلال السنوات الأخيرة ودعم كل تحركات النقابة.. اليوم، نحن امتداد لمسار طويل من النضال والعمل والدفاع عن الصحافيين والمهنة وسنكون دائما كذلك، فالقطاع يبقى رقما صعبا على المستوى الوطني.. لأننا نحن الضمير العام الوطني‘‘. ومن جهته، أوضح عبدالرؤوف بالي ’’أفرزت نتائج النقابة هذه المرة معادلة أو منطقا جديدا يختار وفقه الصحافيون من يمثلهم.. سقط منطق التكتلات حيث لم يعد الصحافي ينتخب الأصدقاء أو المقربين منه فكريا.. في هذا المؤتمر، الصحافيون أيضا لم ينتخبوا قائمات بل كان التصويت على الأفراد حيث راهن الصحافيون على أسماء محددة يدركون مدى صدقها وهي أسماء تستطيع تقديم الإضافة للقطاع ككل ولنقابة الصحافيين‘‘. وأضاف بالي، وهو صحافي بجريدة “الشروق” اليومية في تصريح لـ”العرب”، ’’هذا التصويت على القائمات أفرز هذه النتائج وفاجأ بعض القائمات التي خال أصحابها أنها لا تزال فاعلة في القطاع.. ربما الإرث الذي راكمناه منذ تأسيس النقابة قبل 12 سنة أوصل الصحافي التونسي اليوم إلى مرحلة من الوعي النقابي لأنه قبل تأسيس النقابة كنا ننتمي إلى جمعية بينما للنقابة خصوصيتها‘‘. وأوضح ’’في الواقع، بفضل مراكمة التجارب الانتخابية والديمقراطية في تونس، ترسخت لدينا قناعة مفادها أنه ليس بالضرورة صديقك أو من تتقارب معه فكريا أو ثقافيا أو سياسيا يستحق صوتك ليكون نقابيا أو غير ذلك‘‘. ويشدد بالي على أن صعود جيل جديد لا ’’يعني أننا في قطيعة مع أجيال أو غيرها.. العكس، نحن نتكاتف من أجل قطاع متماسك لذلك استدعينا في هذا المؤتمر شخصيات ابتعدت عن النقابة وعادت اليوم.. هناك زملاء كذلك من قدماء المهنة وكانوا داعمين لزملائهم لذلك من الضروري نفي المزاعم عن أن هناك قطيعة أو صراعا بين الأجيال.. نحن قادمون لتوحيد القطاع أولا من خلال التضامن والتعاون من أجل تطوير القطاع‘‘. ويرى مراقبون أن الأسماء التي أفرزتها انتخابات الأحد الماضي ستسهم في تحسين أوضاع قطاع الصحافة خاصة مع صعود وجوه شبابية وعدم مراهنة الصحافيين التونسيين على أطراف مدعومة من أحزاب أو جهات أخرى. ويرزح قطاع الصحافة في تونس تحت وطأة أزمات عديدة بدءا من مؤسسات إعلامية مصادرة مرورا بأوضاع الصحافيين الهشة وصولا إلى مجموعة مشاريع قوانين يدفع بها المعنيون بالقطاع من أجل تحسين أوضاعه وتعزيز مكاسب الصحافيين وكذلك تطوير المضامين الإعلامية. وفي هذا الصدد، تقول ريم سوودي ’’نحن نقابة مهنية وبالتالي ستكون من أولوياتنا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصحافيين.. إلى جانب العمل على مراجعة واقع المؤسسات الإعلامية داخل القطاع الخاص أو العام وهي مؤسسات يكابد أبناؤها من أجل تحسين الأوضاع داخلها وسيجتمع المكتب وينظر في الرهانات والتحديات التي سنواجهها‘‘. بدوره، يؤكد عبدالرؤوف بالي على أن الأولوية هي لتوحيد القطاع من خلال استعادة العديد من الأسماء التي ابتعدت ثم التوجه لفتح العديد من الملفات أبرزها تسوية أوضاع الصحافيين العاملين في ظروف هشة، علاوة على ضرورة الدفاع عن الزملاء ضد أي اعتداء، إلى جانب القوانين المطروحة في البرلمان والتي فيها ما هو متعلق بهيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا) حيث يجب الدفع نحو تشكيل مجلس الهيئة وهي هيئة دستورية. صحافة وفي انتظار انتخاب النقيب الجديد للصحافيين وتوزيع المهام، هناك تحديات كبرى تنتظر المكتب التنفيذي الجديد أولها إسعاف بعض المؤسسات المصادرة والعاملين فيها على غرار جريدة “الصباح” وإذاعة “شمس أف.أم” وإذاعة “الزيتونة” حيث تحاول الدولة التفريط فيها وبيعها. وإلى جانب ذلك، سيواجه المكتب الجديد محاولات الهيمنة على القطاع وتركيع بعض المؤسسات الإعلامية لخدمة أجندات حزبية تجلت بوضوح من قبل ائتلاف الكرامة الشعبوي لمبادرة تستهدف تعديل المرسوم 116 والمعني بهيئة الاتصال السمعي البصري. وينص التعديل على أن يصبح البرلمان مخولا بانتخاب أعضاء الهيئة وهو ما يجعلها مرتهنة وفقا لمراقبين للحسابات السياسية الضيقة ما جعل منظمات ونقابات عريقة تندد بخطوة هذه الكتلة (19 نائبا) خاصة وأنها مدعومة من كتل أخرى على غرار حزبي قلب تونس وحركة النهضة.
مشاركة :