"الترويكا البرلمانية" في تونس تؤجل أولى معاركها مع الرئيس | صغير الحيدري | صحيفة العرب

  • 10/10/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا تزال المحكمة الدستورية في تونس محور تجاذبات حادة حيث تسعى “الترويكا الجديدة” التي تقودها حركة النهضة الإسلامية إلى المصادقة على تعديلات تخفض من الغالبية المطلوبة لانتخاب أعضاء المحكمة للتسريع بتركيزها خاصة وأن هذه المحكمة هي التي تنظر في دستورية القوانين من عدمها ما يعني سحب ورقة تأويل الدستور من الرئيس قيس سعيد. تونس - أرجأت الترويكا البرلمانية في تونس المتألفة من حركة النهضة الاسلامية (54 نائبا)، ائتلاف الكرامة (19 نائبا) وحزب قلب تونس (30 نائبا) صدامها الأول المحتمل مع الرئيس قيس سعيد بشأن المحكمة الدستورية وذلك بتأجيل المصادقة على تعديل القانون الأساسي للمحكمة الدستورية وهو قانون مثير للجدل. وأرغم توغل فايروس كورونا في البرلمان التونسي وتغيب العديد من النواب على تأجيل مناقشة التعديلات التي سيتم إقرارها على القانون الذي يرى مراقبون أنه سلاح النهضة وحلفاؤها لتضييق الخناق على قيس سعيد الذي يحتكر الآن لوحده تأويل الدستور. وتنص التعديلات، التي طُرحت منذ العام 2015 بعد عجز البرلمانيين التونسيين على حلحلة معضلة المحكمة الدستورية، على التخفيض في الغالبية المطلوبة لانتخاب أعضاء المحكمة من الغالبية المعززة المحددة بـ145 صوتا إلى غالبية ثلاثة أخماس أي 131، إضافة إلى حذف عبارة “تباعا” في الفصل 16 الذي يتطرق لكيفية تعيين الأعضاء حيث ينص الدستور على أن يزكي مجلس النواب 4 أعضاء، بينما يتقاسم الرئيس والمجلس الأعلى للقضاء تعيينات البقية (8). وتتألف المحكمة حسب ما ينص عليه الدستور التونسي من 12 عضوا، ويتم تركيزها في أجل أقصاه سنة بعد الانتخابات التي جرت في الـ2014، لكن التجاذبات السياسية حالت دون ذلك. ويرى مراقبون أن الترويكا الجديدة تسعى إلى تحجيم دور سعيد، الذي بغياب المحكمة الدستورية يحتكر صلاحية تأويل الدستور، خاصة وأن الرئيس كان قد دخل في مواجهة مع حركة النهضة. وقد عبّرت حركة النهضة عن تأييدها للتعديلات التي من المزمع إقرارها على القانون الأساسي للمحكمة الدستورية. وقال رئيس كتلة الحركة في البرلمان، عماد الخميري، إن “النزول بغالبية انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية كان محل توافق صلب لجنة التشريع العام.. لم يكن بالإمكان المضي في إرسائها دون تغيير الأغلبية”. ومن جهته أكد حزب قلب تونس الذي يرأسه رجل الأعمال نبيل القروي ضرورة تبني البرلمان للتعديلات داعيا بقية النواب إلى التجرد من الحسابات السياسية “الضيقة”. ولوّح رئيس كتلة ائتلاف الكرامة، سيف الدين مخلوف، وهو ائتلاف مقرب من النهضة وحليفها، أنه يجب “عزل الرئيس إذا لم يختم القوانين التي يمررها البرلمان”، مضيفا “هذا دوره، وإذا أصر على عدم ختم القوانين التي نمررها (ما يعني دخولها حيز التنفيذ) فإننا سنعزله”. وتزامنت تصريحات مخلوف مع مناخ سياسي متوتر أصلا حيث نشبت خلافات بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة، هشام المشيشي، تسعى حركة النهضة للعب على وترها من أجل عزل سعيد خاصة مع تلميحه مرارا لأجنداتها. ومن أجل بلوغ ذلك، سرعت حركة النهضة من وتيرة تحركاتها في البرلمان توجت بتحالف مع قلب تونس (ليبرالي) وائتلاف الكرامة (شعبوي إسلامي). ويستهدف هذا التحالف تشكيل جبهة داعمة للحكومة، لكن وظيفته لم تقتصر على ذلك حيث تتحرك الترويكا البرلمانية الجديدة على أكثر من صعيد. وفي تصريح لـ”العرب” أشار نبيل حجي، البرلماني عن حزب التيار الديمقراطي، إلى محاولات حركة النهضة وحلفائها الرامية للسيطرة على المحكمة الدستورية لافتا إلى الجدل القائم أيضا بشأن طريقة اختيار الأحزاب الممثلة في البرلمان لأعضاء المحكمة. وأضاف حجي “كيف سأصوت على مرشح للمحكمة الدستورية وأنا لا أعرفه، مثلا حركة النهضة تصر على اختيار المرشح الذي هو ليس من أهل الاختصاص (قاضي) .. كيف يمكن أن أعرف فكر هذا المرشح وتوجهاته واستقلاليته من عدمها بالرغم من أنني لدي احترازات على استقلالية المحكمة وأعضاءها”. ولفت حجي إلى أن “النهضة قدمت مثلا مرشحا في السابق.. بمجرد بحث بسيط يتبين لك مواقفه.. هو لا يعترف بالدستور أصلا فكيف لي أن أزكيه؟”. ويأتي هذا الجدل القائم بشأن أعلى هيكل قضائي في البلاد وسط تحركات مكثفة تقودها النهضة وحلفاؤها، وتلاقي استهجانا كبيرا خاصة تلك المتعلقة بتعديل المشهد الإعلامي. وكان ائتلاف الكرامة قد قدم مشروع قانون يستهدف تعديل المرسوم 116 الذي ينظم عمل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهايكا) ما أثار مخاوف من خطط الإسلاميين الرامية للسيطرة على الإعلام. ولاقى هذا المشروع تنديدا واسعا من منظمات وجمعيات حقوقية على غرار النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين التي تحذر من مساعي وضع اليد على الإعلام وحالة “انفلات إعلامية” يشرعن لها هذا المقترح. وفي تعليقه على هذا المقترح يقول نبيل حجي إن “هذا المقترح يكشف عن نزعة للتسلط والهيمنة لدى هذا التحالف (النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة).. إنه يملك غالبية بسيطة ويريد الهيمنة بها.. بهذه الممارسات يصبح أخطر من بن علي إذا استتب له الأمر” في إشارة إلى الرئيس الأسبق والراحل زين العابدين بن علي. وتأتي هذه التطورات في وقت تخشى فيه العديد من الأطراف أن يتم الحياد بدور المحكمة الدستورية كأعلى هيئة قضائية في البلاد، وتنظر في دستورية القوانين، من خلال السيطرة عليها من قبل بعض الأحزاب لاسيما الإسلاميين الذين دخلوا في مواجهة مع سعيد ما جعلهم يبحثون عن إضعافه بكل السبل المُتاحة.

مشاركة :