منذ توسع العثمانيين واحتلالهم للمنطقة ولشعوبها كانوا يعتمدون على الإنكشاريين الذين كانوا يأخذونهم من أطفال الشعوب التي يحتلونها، وكان يعرف ذلك باختراع عثماني اسمه " ضريبة الدم" وكانوا يجلبون أولئك الأطفال من سن 10 حتى 15 وكانوا يقومون بتربيتهم وتعليمهم ليكونوا سوط وسيوف السلاطين وأدوات في الحكم العثماني وبطشه وغطرسته وحماية حكمه من أقرب الناس وكذلك في الاحتلالات الخارجية للبلدان والشعوب. ومع نهايات العهود العثمانية وقرب الحرب العالمية الأولى ظهر ما تم تسميته بسفر برلك. يمكننا القول إن سفر برلك العثماني (Seferberlik) ككلمة ومفردة يستعملها الترك هي التعبئة والتجهيز كدولة وأمة بما يلبي إحتياجات الحرب والقوى العسكرية وتقيد الحريات جزئيًا أو كليًا ولكن عثمانيًا هو الفرمان الذي أصدره ما يسمى السلطان العثماني محمد رشاد بتاريخ 3 آب( أغسطس) 1914م، والذي يعتبر كل شخص من رعايا الامبراطورية العثمانية من فوق 15 سنة من المسلمين وغير المسلمين مطلوبًا للخدمة العسكرية للدفاع عن السلطان الخليفة وأملاكه وعن الدولة العثمانية. وتم البدء في مطاردة أبناء المنطقة وأخذهم عنوة من الشعوب العربية من الجزيرة العربية ومن بغداد والبصرة وكذلك من الشام وفلسطين وماحولهما وبينهما وكذالك تم أخذ مجمل أبناء الشعب الكردي أيضًا لوقوع قسم كبير من كردستان ضمن الأراضي العثمانية منذ أتفاق الصفويين والعثمانيين في أتفاقية قصر شيرين 1639 م لتقسيم كردستان (أراضي تواجد الكرد منذ 12000سنة)فيما بينهما . وبعد فشل حملة ترعة السويس الأولى للعثمانيين على البريطانيين في مصر، تم إرسال أبناء المنطقة إلى حدود الأراضي المحتلة من قبل العثمانيين الشمالية والشرقية والغربية وكانت من بين تلك الأماكن أوروبا والبلقان وكذلك الحدود العثمانية الروسية و جبال القفقاس لقتال الحلفاء من البريطانيين والفرنسيين والروس ومجمل العالم ، وهكذا ذهب مئات الألاف من أبناء المنطقة في رحلة الموت والجوع والهلاك في حربًا لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ومات الآلاف منهم من شدة البرد والجوع ومن التشرد والضياع وحتى أن الكثيرين من الذين لم يموتوا منهم لم يقدرو على الرجعة وهكذا ضاع ملايين الناس من أبناء المنطقة في رحلة الدمار والهلاك حتى أن أهل بغداد سموها ( أيام الضيم والهلاك) . وما من عائلة أوعشيرة في المنطقة بجميع شعوبها ومكوناتها إلا ولها حكاية عند فقدان العديد من أبنائهم و أحيانا كثيرة عدم معرفتهم بمصير ابنائهم. ومازاد الطين بلة أن العثمانيين بعد فقدهم مصر منذ 1914م ، عينوا واليًا ليكون شديدًا على بلاد الشام على سوريا وفلسطين وهو جمال باشا السفاح من الأتحاد والترقي الذي أوغل في دماء العرب وخصوصًا أذا تذكرنا يوم 6 أيار ١٩١٦م الذي تم فيه إعدام كوكبة من المثقفين والمناضلين العرب في دمشق وبيروت. وكان أيام سفر برلك صعبة على شعوب المنطقة حيث كان الجيش العثماني يحاصر القرى ويأخد الجميع الذين يستطيعون حمل السلاح مع عدم مراعاة أوضاع عائلاتهم والأخطر أيضًا كانوا يأخذون المؤن والقمح والطعام من البيوت وكذالك الحيوانات لأطعام وتمويل حملاتهم وسفر برلكهم. ربما توقف معاناة الأخوة العرب من العثمانيين بعد إنتهاء سيطرة العثمانيين على بلدانهم. لكن معاناة الشعب الكردي مع العثمانيين وكذالك الشعوب الأخرى مثل الأرمن والسريان الأشوريين واليونان والروم والبونتس واللاز لم يتوقف وهي مستمرة إلى الآن، والسبب هو وجودهم وكذالك وجود القسم الأكبر من أراضي كردستان والشعب الكردي ضمن تركيا الحديثة التي استحدثها النظام العالمي لخدمة مصالحه في الهيمنة والتحكم بالمنطقة . عانى الشعب الكردي من تبعات سفربرلك ومات وفُقد وتشرد العديد من أبنائه لكن مع انتهاء الحرب العالمية الأولى وسفر برلك، لم يتوقف معاناته مثل الشعب العربي بل تحمل الشعب الكردي كل تبعات حروب تركيا وصولات وجولاته معتوهيه من السلاطين ومن جنرالاته أمثال مصطفى كمال الذي قدم إلى المناطق الكردية في باكور كردستان( جنوب شرق تركيا الأن ) أيام انهيار الإمبراطورية العثمانية وأتفق مع حوالي 32 بيكًا ورئيسًا من رؤساء العشائر الكردية على تشكيل دولة للشعبين التركي والكردي بعد طرد ما قال إنهم الكفار ولكن بعد خوض ما يسمى في تركيا " حرب الاستقلال" ضرب عرض الحائط بكل الوعود وكذالك بدماء شهداء الكرد والترك الذين خاضوا حرب الأستقلال معًا، ومع تعاظم دور الأتحاد والترقي قالوا بعد تمكنهم وبعد إقامة علاقات وتبادل مصالح مع الإنجليز والفرنسيين في اتفاقية لوزان والقاهرة أن كل من هو موجود في تركيا هو تركي وألغوا البرلمان الأول الذي كان ٣٣% منه من ممثلي كردستان في جنوب شرق تركيا وكذالك تم التخلي عن الميثاق الملي الذي توحد حوله الكرد والترك وخاضوا حرب الإستقلال. وفي 1924 أصدر السلطات التركية قوانين إنكار وإبادة الكرد وتتركيهم وترحيلهم وكذالك تهجيرهم بشكلًا منهجي ومنظم وبذالك بدأت مرحلة التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي بحق الشعب الكردي والشعوب الأخرى . وخاض الكرد العشرات من الثورات والانتفاضات للدفاع عن وجودهم أمام سياسات التطهير والتغير الديموغرافي من ثورة كوجكري عام 1919 حتى ثورة شيخ سعيد وثورة أكرى إلى العديد من الثورات مثل ثورة سيد رزا ألى أخر الثورات الكردية التي انطلقت وتجددت كفاحها المسلح عام 1984 بقيادة حزب العمال الكردستاني والقائد عبدالله أوجلان والتي هي مستمرة حتى اليوم لنيل الشعب الكردي مثل الشعوب العربية و شعوب المنطقة التي تحررت من العثمانيين وحصلوا على حقوقهم في الحرية وإدارة أنفسهم ومناطقهم . وبعد هذا، ونحن نعيش أيام الحرب العالمية الثالثة في منطقتنا(الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) ونتيجة الحروب والتغيرات وكذالك ما نشهده من محاولات إعادة ترسيم مناطق النفوذ وكذالك تشكيل النظام الإقليمي الجديد وتغير أهمية الدول والحاجة إلى تحجيم بعضها وربما إزالة البعض الآخر ، يلجأ السلطات التركية الحالية ذات الخلفية القوموية الفاشية والإسلاموية العميلة للنظام العالمي إلى تجاوز كل القوانين والأعراف الدولية وفي وضح النار وفي تصريح فاضح من أردوغان أن لوزان كانت خاطئة وظالمة وعليهم تمزيق الخرائط التي فرضتها لوزان وهم بالفعل مزقوا الخرائط وهم يحاولون رسم الحدود الجديدة من سوريا إلى العراق وليبيا و لبنان و أذربيجان وربما إلى أبعد من حدود العثمانيين فأردوغان يستغل القطريين وأزمتهم وآل حمد وأصبحت دوحة ومقديشو وطرابلس ولايات عثمانية يحكمها العنصر التركي عبر إستخباراته والولاة المعينة من قبل الباب العالي الجديد. ولكن هل يمكننا السؤال ما وجه المقاربة بين سفر برلك وما يفعله السلطة التركية من أردوغان وحزبه وشريكه دولت بهجلي في إرسال السوريين المرتزقة من سوريا إلى ليبيا وأذربيجان وكذالك إرسالهم عشرات الآلاف من الإرهابيين من كل دول العالم إلى سوريا و العراق والتسهيل لهم حيث من المؤكد أن تركيا أرسلت 62000 داعشي وقاعدي إلى سوريا وتم إرسال عشرات الآلاف من الإرهابيين من دول المغرب العربي من تونس وليبيا والجزائر وكذلك من المغرب وموريتانيا إلى دول المشرق العربي وكذلك إعادتهم الآن إلى ليبيا لتكرار النموذج السوري والعراقي في دول المغرب العربي وتهديد قارتي أفريقيا وأوروبا وكذالك العالم حتى يتمدد ويتوسع متخيلًا أنه السلطان سليم الأول أو مراد الرابع أو القانوني وأنه بربروس. وأن الساحة أمام أطماعه مفتوحة طالما سفر برلك موجودة والمرتزقة من الإخوان ومن ما يسمى الائتلاف الوطني السوري المعارض المرتزق والمرتهن لأردوغان وكذالك طالما أن أموال شيخ الإرهابيين تميم وآل حمد وشيوخ السلطان المنافقين مثل القرضاوي والقرداغي و الغرياني وغيرهم يفتقدون حسب خليفتهم وسلطانهم المزعوم. ومن الأهمية التركيز والقول أن سفربرلك القديم كان طريقًا للهلاك والتشرد والموت والجوع، أما سفر برلك الجديد الأردوغاني فهو طريق للدونية والاستحقار والهروب والسرقة والاغتصاب وكذالك لقلة الشرف وانعدام الكرامة والأخلاق، فمن يستطيع أن يقول غير ذالك عن السوري المرتزق الذي ترك مدينته وثورته و عائلته بحض إستخبارات أردوغان وجاء على ظهر الدبابات التركية وتحت طائراتها المسيرة والحربية ليحتل الأراضي الكردية في شمالي سوريا ليستوطن في بيوت الكرد السوريين(أحفاد صلاح الدين الأيوبي ) في عفرين وسري كانيه( رأس العين) وكرى سبي( تل أبيض). و لم يكتف ذلك المرتزق الأخواني والقاعدي والداعشي بالسفر برلك المحلي السوري والعراقي والتركي بل أصبح أداة في سفربرلك الأردوغاني الإقليمي والعالمي وأصبح يتنقل إلى ليبيا تارة إلى الصومال و أذربيجان تارة وإلى لبنان واليمن ربما تارة أخرى. ولعلنا إذا إستمر الوضع وسلبية المواقف وكذالك غض النظر من قبل القوى المركزية في النظام العالمي ربما نجد أن أردوغان جعل من تيارات الإخوان المسلمين وكذالك من القاعدة والدواعش أسفار برلك لكن هذه المرة سفر برلك بالطائرات وبالأموال القطرية وبمساعدة القوى المهيمنة الإقليمية وكذالك العالمية الذين يحيزون الفرصة ليكرروا ما فعلوه بالسلطان عبد الحميد الثاني مع المعتوه أردوغان من تحضير الأجواء للتخلص منه ومن سفر برلكاته. كثيرون من أبناء المنطقة لم يقبلوا أن ينضموا إلى سفربرلك أيام العثمانيين وناضلوا ضد الأحتلال العثماني وكان لأبناء شبه الجزيرة العربية وكذالك أبناء مصر وليبيا والجزائر والعراق وبلاد الشام كلمتهم ضدهم وكانوا خير تعبير عن أصالة عروبتهم ومنطقتهم وتراثهم ودينهم ضد من أتوا إلى المنطقة كدخلاء ليعملوا كجنود ومرتزقة عند العباسيين والأيوبيين من المماليك البحرية وغيرهم من العشائر التركية والتركمانية ثم توافد أبناء عمومتهم وأقربائهم من موطنهم من آورال آلتالي قرب الصين من المغول والتتار و العثمانيين وصولًا لتركيا الأردوغانية الحالية حتى أصبحت المنطقة بحاجة إلى مافعله سيف الدين قطز أو إبراهيم باشا أو صلاح الدين الأيوبي، حتى يقول لمن يريد أخد شبابنا إلى سفر برلك جديد أن زمن السفربرلكات أنتهت من غير رجعة وأن شعوب المنطقة وقواها الحية وكذالك الديمقراطية والفاعلة لن يقبل بالتبعية لأي سلطان أو معتوه أخر مرة أخرى ونحن لن نرضى سوى بالعيش المشترك والحياة الحرة والديمقراطية. وما الإخوان والقاعدة والدواعش إلا قذرات العالم والمنطقة فكرًا وأجسادًا وسفر برلكاتةٍ وأردوغانيين وظلامًا مصيره الفشل والذوبان والانتهاء لبزوغ فجر الحرية والحق من القاهرة إلى آمد(ديابكر) مرورًا بقنديل، وما المواقف التي تصدر من مصر و الدول العربية لأتباع سياسة موحدة ورادعة ضد التدخلات التركية ، وكذالك ما نتلمسه من إدراك ومعرفة الشعب العربي لحقيقة الانخداع والتضليل و الظلم الذي يمارسه الدولة التركية بحق الشعب الكردي في تركيا وكذالك في سوريا والعراق، وكذالك المواقف الصادرة من الشعب الكردي والحملة الأخيرة تحت شعار "كفى للعزلة والفاشية والاحتلال، حان وقت الحرية" التي أطلقها شعبنا الكردي في تركيا والعراق وسوريا وإيران وأوروبا والعديد من البلدان ممثلةٍ بمنظومة المجتمع الكردستاني رائدة الحركة الديمقراطية وأخوة الشعوب والتي طالبت بإنضمام جميع القوى في المنطقة وعلى رأسها العربية للحملة المناهضة لسياسات السلطة التركية الأردوغانية. هذه المواقف الكردية المدركة لأهمية الدور العربي وكذلك لأهمية بناء تحالف كري_ عربي لمواجهة أطماع تركيا التوسعية التي تعمل لإبادة وإنكار الشعب الكردي وكذلك لاحتلال المناطق والدول العربية التي كانت تحت الأحتلال العثماني. كل هذا يؤكد أن السلطان المعتوه وأوهامه العثمانية لن يكتب لها النجاح وما وجوده على رأس السلطة وكذلك ظلمهم للكرد واحتلاله للأراضي العربية مسالة وقت سينتهي بانتهاء دور أردوغان وتركيا الوظيفي الذي ليس ببعيد.
مشاركة :