العالم، مشغول ويفقد التوازن، بنزاعات وحروب ، ومنهمك بمتابعة أخبار المنافسة الانتخابية الأمريكية بين ترامب وبايدن، والسعي خلف غاز شرق المتوسط، ويسعى للتخطيط عبر وسائلة المتعددة لحروب دموية مقبلة. لا أحد يصغي لنداءات منظمة الصحة حول شراسة الموجة الثانية لـ«كورونا»، التي بدأت تحصد الأرواح، بشراهة أكبر من الأولى وأعظم. هل تمكنا من السيطرة علي الوباء ولماذا انكسرت هيبة الخوف من المرض والموت، أمام هو للانهيارات المالية، وخسائر البورصات المتوالية، وصوت المحتجين الغاضبين.و الحجْر العالمي القاسي، لن يتكرر مع أن الوباء يربح المعركة. التوقعات أن يكون الشهران المقبلان قاتلين، في أوروبا، والهند والمنطقة العربية كذلك، التي بقيت شبه محمية، في جزء منها، وسعيدة بخططها الصحية.عدد الموتى سيرتفع، ولن يبقى كما حاله في الصيف. الشتاء له خصوصياته، وخطورة مدارسه، وصعوبة تجمعاته في الأماكن المغلقة. مسؤول في منظمة الصحة يرى أن «النجاة من «كورونا» ستصبح أصعب بكثير عن ما كان، و70 في المائة من سكان العالم سيصابون حتمًا. لا لأن الوباء قدر لا مرد له، بل لأن فوضى المواجهة، وارتباك الحكومات واستخفافها وعجائبية ترتيب أولوياتها، فاقت كل توقع.يبرهن البشر لمرة جديدة عن ضيق أفق في مواجهة المحن الكبرى، بسبب أنانيات غير مبررة الوباء لن يرحم الأقوياء وإن ظنه ذلك.ها هو مقيم لسنتين أخريين، ولا يتبخر في الصيف وتنكسر شوكته. لم يعثر أوله الأمر، بعد تجارب مكثفة، إلا على حلّ أكثر بدائية مما سبقه، وهو حجز كبار السن في المنازل، وترك الأصغر سنًا لقدرهم، وخفض فترة الحجْر إلى 7 أيام فقط، تفاديًا للبطالة. استراتيجية لن تأتي أكلها.، ثبت بالبرهان، أن الفصل بين الأجيال ليس رادعًا، والتفريق بين الطبقات، والتمييز بين الشعوب، هو عصب، ينتقل عبره الوباء ويتمكن، السيناريو المقبل، هو هروب من العطالة والإفلاس، يقود إلى مزيد من الانحدار الاقتصادي.6 أشهر من الإجراءات، والعزل، في أوروبا، عاد الجميع بعدها إلى نقطة الصفر أو دونه، حتى التنقّل بين البلدان، لا تزال خاضعًا لإجراءات، ترفع هنا، وتعاد هناك، نتيجة عجز غير مسبوق. الهند التي يفترض أنها من بين الدول الأكثر نموًا، صارت تشكو من خواء صناديقها، وعجزها عن مجاراة دول عظمى في تعويض خسائر العاطلين عن العمل، وأخذ التضخم يقترب من مستوى 7 نقاط مئوية البرازيل من بين الأسوأ كذلك، وأميركا غارقة والشعوب تتدحرج صوب الكارثة. ويخشى أن يصبح المشهد، أكثر ظلمة في المنطقة العربية؛ حيث يتوقع أن ينحدر ربع سكانها إلى مستوى خط الفقر، بسبب ما تعيشه من أزمات حالية إضافة إلى وباء «كورونا». أصبح 55 مليون عربي بحاجة إلى مساعدة، نصفهم من اللاجئين، و16 مليونًا مهددون بالجوع، وما يرى بأم العين أن الجوع لا ينتظر الإحصاءات، وهو سابق لها.اللقاحات التي يظن أنها حبل خلاص، باتت الحروب حولها مثيرة للسخرية، جميعها لا تزال قيد التجريب، لا يوجد أي منها يمكن لعاقل أن يستسلم له مؤتمنًا على روحه، وكي لا تصبح مقولة «من لم يمت بـ«كورونا» مات بلقاحها» فإن أفضل ما سيحدث لفقراء هذا العالم، أنهم سيحرمون من تحويلهم إلى فئران تجارب، بعد أن حجزها من يملكون دفع سعرهذا اللقاح. أكثر من 32 دولة أشترت حتى الآن اللقاح الروسي. حجزت الدول الغنية التي يسكنها 13 في المائة فقط من سكان الكوكب، نصف اللقاحات التي يتم العمل عليها، على اعتبار أن الفقراء لا يستحقون الحياة. ومع أن حماية الإنسان مذكورة في كل الشرائع، غير أن للأوبئة أحكامها، الدول المقتدرة، حجزت لقاحات من أكثر من مصدر، أي أنها تملك ترف التجريب، والتلف والاستبدال، حين تكتشف أن أحد اللقاحات التي حصلت عليها فاشل.يقترب عدد ضحايا «كورونا» في العالم من المليون. بتقدم الوقت، نكتشف أكثر أنه لا يختلف عن أوبئة القرون الوسطى، لا في طبيعته الشرسة ولا في غباء الإنسان أمامه، وإن كانت كل النصائح التي دبجها المفكرون والمؤرخون والروائيون والفلاسفة، ومعها المنظمات الجديدة المعنية بالصحة والحقوق، ترى بأن مواجهة الفواجع الكبرى، لا يمكن تخفيض كلفتها من دون تعاضد، وتلاحم، وتكافل لا تمييز فيه.السلوك لا يزال هو ذاته منذ ضرب الطاعون الأسود أوروبا في القرن الرابع عشر، وهو عينه، عندما ضرب الوباء العراق، وسرّع وهو يقضي على الأعمار، بانهيار الدولة الأموية ووصول العباسيون إلى السلطة، كتب التراث الإسلامي حافلة بقصص الأمراض المعدية، وتأثيراتها السياسية، وقدرتها المزلزلة على قلب الموازين، وتغيير القواعد الاجتماعية.أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، رغم نبرته الدبلوماسية التي تفرض التفاؤل، يداري مخاوفه، من استمرار انعقاد اجتماعات الهيئات الأممية عن بُعد، ما يكسر تدريجيًا القدرة على الحوار الحيوي، ويعزز طغيان الرأي الواحد. و«كورونا» هي تلك الجرعة الإضافية التي طاف بها الكأس، وأن تتعاظم النزاعات، فهذا يعني أن العالم سيبقى مشغولًا عن الذين يموتون بصمت في مراكز العناية الفائقة، ولو بلغوا عشرات الملايين.
مشاركة :