ثمة قواسم مشتركة في مسيرة الرائع والمترجل عن صهوة رئاسة تحرير"الرياض" الأستاذ "تركي السديري" لعل أهمها أنه قاد جريدة "الرياض" على امتداد عاماً عبر جسور التألق وترسيخ الوجود وتشكيل كيان صحافي عملاق.. عندما تتابعه أو تقرأه تشعر أنك تتابع كائنا حيا .. فالمطبوعات هي صورة الحياة .. وطاقاتها الفكرية.. ولكن من يمنحها هذه الرحلة الأغنى .. ويرسم علامات نجاحها؟ تركي السديري اسم صحافي لامع .. وكيان إعلامي في اسم.. أشهر من نار على علم كما يُقال.. كصحافي وكاتب.. وإداري ناجح قفز بصحيفة "الرياض" من مرتبة الأحلام والأفكار.. الى مرتبة الحقيقة والإنجاز وواقع التربع على قمة الصحافة السعودية! عندما بدأت الكتابة كنت أكتب القصة وأنشرها في صحف عكاظ وملحق الأربعاء ومجلة اقرأ.. وكنت أكتب مقالات متنوعة هنا هناك دون أن ألتزم بصحيفة.. ولكن وبعد أن كتبت عني العزيزة الدكتورة فاتنة شاكر مقالا ً"نجوى نجمة الجنوب".. في جريدة "الرياض"طلب مني الأستاذ تركي أن أكتب في "الرياض" ولكن مقالات دون تحديد زاوية وظللت أكتب في صفحة حروف وأفكار سنوات.. حتى تحولت إلى كاتبة يوم ويوم.. في زاوية"للعصافير فضاء" في صفحة حروف وأفكار أو مقالات.. والواقع أنّ الصحفي الفنان والقارئ المميز للصورة "تركي السديري" شكّل ملامح نمط جريدة "الرياض" من حيث الرصانة وتعريف القادمين الجدد بحدود الهاوية.. وحوافها والفرق بين الخبر والاستجواب، ومفهوم الكتابة كخزان للذاكرة.. ولكن الأهم وهو ما تعلمناه من مدرسة تركي السديري "الهامش بالمعنى الإيجابي وليس السلبي"! مدرسة المبدع تركي السديري من مدارس الصحافة النظيفة بطقوسها المعرفية التي تكون الكلمة المحترمة فيها هي البدء وهي النهاية فلامجال للابتذال عند الطرح.. المشكلة أنّها ليست تعليمات مكتوبة ولكن يتشربها كل من كتب في "الرياض" واستوطن مدرستها وتعلم فيها ف"الرياض" مع تركي السديري المحدّث لها ولكيانها هي قارورة العطر الغالي الثمن، والمعتق.. والذي لايفهم رائحته إلا من عشق الزهور وتدفقت في أوردته! صنع تركي السديري حياة في "الرياض" لصحيفة أنيقة متدفقة في جودتها، ومتفردة في خصوصيتها.. جعل منها أرضاً غنية بطروحاتها وإن اختلف معه آخرون وهذا هو الطبيعي.. ولكن ظلت مسؤوليته عن الصورة بمعناها المجازي في جريدة "الرياض" هي الأصل لأربعين عاماً عشق الصحافة وعشق "الرياض".. وتحولت معه إلى كيان منسوج في داخله.. توسع حتى تفرّد به أو تفرّدت به جريدة "الرياض".. ذاب وسط العاملين من أصغرهم إلى أكبرهم ومن أهمهم إلى أقلهم أهمية محافظاً على نجاح الجريدة الذي صنعه لها وسط انهيار مؤسسات صحفية عريقة وإغلاق أبوابها وتراجع قيمة مؤسسات أخرى وعدم قدرتها على تطوير أدواتها أو الاستمرارية في المنافسة .. ومع ذلك حافظ تركي على نجاح كيان "الرياض" الذي خلقه وتوسّع في بناء ميدانه الداخلي والخارجي بأفق رحب تُغمس صفحات تفوقه في المدى المتسع! يغيّر تركي السديري موقعه ولايغادر جريدته التي هي الصباح الحرّ بالنسبة له كمشرف على أعمال المؤسسة؛ لأنّ "الرياض" هي أسئلة التاريخ التي رافقها ورافقته، وهي ليست أوراقاً باردة بآفاق مفتوحة وإنما هي رؤية شكلّها تركي وكأنها نص مغلق.. عليك عندما تبدأ في قراءته أن تصل إلى المناطق المعتمة في سطوره ! يترجل "الملهم "وباني"الرياض" الحديثة بعد مسار إنساني وعملي كبير اختار من خلاله اللغة والشكل الذي صاغ به مسار الجريدة، وفتح دائرة الأضواء لكثير من المبدعين والموهوبين ليبرزوا من الحاضر والقادم من خلال التماهي مع أخيلة ورؤى جريدة "الرياض"، وسحرهاالمتمثل في نوعية من يكتبون بها! يترجل أستاذي ومعلمي تركي السديري ليتحول إلى مكان آخر تاركاً إرثاً صحافياً كبيراً تتوسع المفردات في قراءته، وتحتاج أن تميزه إلى قراءة بعيدة في وضوح؛ لأنّ القريب يحتفظ بالملف مقروءاً ولايحتاج إلى تفنيده..! سيبقى تركي السديري روح ونبض جريدة "الرياض" لأجيال عديدة تتلمذت على يديه، وسيبقى تركي الصحافي والإنسان معنا بإيجابيات مخضرّة مع الزمن تصبح هي روح المدينة الصحافية وهي داخلها وليس مجرد إطار لها وهي لوحات طقسها المتناسق مع وقع التغيير.. تركي السديري الإنسان والأستاذ ينسحب من التسيير للرياض ولكنه سيظل محتفظاً بصلة المعرفة والتنوير الصحافي وبلورة المعاني واستنهاض الأفكار التي اتصلت بثقافة مؤسسة صحافية كاملة.. يغادر مكانه بإشارات إيجابية لأفق مستقبلي يتباين مع مكونات تتداخل في النجاح والاستقرار..
مشاركة :