ليس هناك شك في أن احتياج الإنسان الدافع والمحرك الحقيقي لتطور أي حضارة إنسانية والارتقاء بالنهضة البشرية في كل العصور، ويزداد طموح الإنسان منذ الأزل، وينمو لسبر غور كل ما هو غامض وغريب وإماطة اللثام عن المجهول سعياً وراء رفاهية الأجيال. ومن الإنجازات الباهرة التي توجت جهود العلماء محاكاة الآلة بالإنسان وهو ما يسمى علم الروبوتات، أو الإنسان الآلي (Robotics)، وكلمة روبوت Robot مشتقة من الكلمة Robota، و التي تعني العمل الشاق، وأصبح مفهومها العام يشير إلى الآلة التي تماثل الإنسان في تفكيره وعمله. وبعدما ازدادت الأبحاث في مجال الطاقة النووية وأصبحت الحاجة ملحة لإيجاد من يقوم بتحريك ونقل المواد النووية والإشعاعية بدلاً من الإنسان خلال التجارب والأبحاث، فابتكر العلماء عام 1947 إنساناً آلياً بإمكانه القيام بوظائف الطرف العلوي البشري الساعد واليد. ولم تتوقف جهود العلماء ولا سعيهم الحثيث وراء الأحدث، إذ يسعون في الآونة الأخيرة إلى ابتكار روبوت يعمل في الكوارث الطبيعية. وفي المبنى رقم 9 في شرق لوس أنجلوس كان العمل يجري على قدم وساق داخل إحدى حظائر الطائرات، حيث عكف المهندسون على تجهيز الروبوت الأكثر تطوراً حتى الآن، استعداداً للمشاركة في أهم مسابقة للروبوتات في العالم والتي تعرف باسم مسابقة دابرا بين الروبوتات. أقيمت المسابقة مؤخراً في بامونا في كاليفورنيا، ويتميز الروبوت المتطور باستجابته للكوارث الطبيعية. يشارك في المسابقة 23 روبوتاً يتنافس أربعة معاً على أداء مهمة واحدة تتاح لهم فيها فرصة إعادة المحاولة خلال يومي المسابقة، حيث يقوم أحد الأشخاص بالتحرك خفية على مضمار السباق لدقائق أو ثوان، والروبوت الأفضل والأكثر مهارة يستطيع تتبعه وطرحه أرضاً، وتدلل البيانات التي يتحصل عليها من الروبوت على مستوى قدرته على الاستقلالية والعمل آلياً. وفدت إلى المسابقة فرق متعددة من متخصصي الروبوتات واحتشد الآلاف للاستمتاع بالمسابقة ورؤية أحدث ما توصلت إليه التقنية في عالم الروبوت. وشهدت اختلافات كبيرة في أداء الروبوتات، فكان من بينها مشاركات أثارت الإعجاب بما أظهرته من مهارات فائقة بينما كانت مهارات آخرين عادية، وكان منها من لم يتمكن من الخروج من مركبته التي يقودها ليتجه إلى مضمار السباق. ومن الروبوتات المتنافسة أطلس من جامعة هونغ كونغ، والذي يطل برأسه من المركبة ليشق طريقه بسرعة إلى مضمار السباق، وهناك روبوتات أخرى، مثل ذلك المسمى باسم جريت والذي يشبه العنكبوت، من ابتكار شركة مبتدئة في كولورادو، لا يستطيع أبداً الخروج من مركبته لينخرط في السباق. ويتخلل الحدث فترات توقف طويلة تقوم خلالها الروبوتات باستكشاف المكان وحساب الخطوات المقبلة، وبعض الروبوتات، مثل روبوتا Helios و CHIMP من ابتكار جامعة كارنيجي ميللون تقوم بعدة خطوات آلياً، بينما يخضع الروبوت Momaro ذو العجلات والذي ابتكرته جامعة بون في ألمانيا للتحكم بواسطة عنصر بشري. ويمثل هذا العنصر جزءاً أساسياً من نظام الروبوت، بحسب بريت كينيدي الذي يقود فريق مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا، والذي يقدم الروبوت Robosimian رباعي الأرجل. وفي نهاية اليوم الأول من المسابقة، تبدأ الفرق في استعراض مهاراتها، حيث يشرع الروبوت Momaro في قيادة مركبته عبر مضمار السباق وينطلق بسرعة فائقة مستخدماً سيقانه التي تنتهي كل واحدة منها بعجلة مثبتة فيها، أما الروبوت Robosimian فيبدأ بالسير ببطء وبحذر شديدين ثم يتسلق مركبته مثل القرد واضعاً يديه على الأرض ليثبت نفسه، ثم يطوي نفسه بعد ذلك ويجلس القرفصاء ويبدأ التدحرج مستخدماً عجلاته ومتجهاً إلى الأمام، ويكمل مسيرته ببطء ومن دون ارتكاب أخطاء، أما الروبوت Momaro فيبدأ في الانطلاق ويعد من أسرع الروبوتات المتسابقة ولا يرتكب آية أخطاء على الإطلاق، ويناور مع الروبوت Robosimian لقيادة الآخرين ويحصد كل منهما 7 نقاط من ثمانية في أقل من 50 دقيقة، ويعتبر رصيداً جيداً في زمن قياسي. ولا يقلل أداء الآليتين من نجاح الروبوتات الأخرى المشاركة، فعلى الرغم من سقوط الروبوت Helios مرتين، ما تطلب رفعه على قدميه، إلا أنه يعد الأسرع في صعود الدرج، كما سجل الروبوت CHIMP جيداً في مراحل معينة، ويعد أثقل الروبوتات وزناً ويشبه وحشاً ضخماً أحمر اللون يزن 200 كيلوغرام ويستطيع رفع 136 كيلوغراماً بيديه فقط. يحتشد الجمهور مصفقاً للمتسابقين، بينما تتمركز فرق التحكم في الروبوتات في المبنى 9 على بعد 5 دقائق من مضمار السباق، حيث توجه الفرق روبوتاتها لاسلكياً، وتلعب طريقة التواصل بين الروبوتات وعناصر تشغيلها دوراً مهماً وأساسياً، ويحدد كل فريق طريقة التواصل بطريقته الخاصة، فالبعض يعتمد على عنصر تحكم وحيد بينما يعتمد آخرون على مجموعة من الأشخاص، فالروبوت Momaro مثلاً يسيره تسعة أشخاص.
مشاركة :