إنَّ القَلْب ليَحزن؛ وإنَّ الصَّدْر ليَضيق، لَيس بسَبَب وَفَاة قَريب أو صَديق، ولَيس بسَبَب رَحيل عَزيز أو رَفيق، وإنَّما بسَبَب مَا آلت إليهِ أحوَال كَثير مِن النَّاس، قلقاً وتَعباً..! لَن أُطيل عَليكم في هَذه المُقدَمة الدَّامِعَة الحزينَة، ولَكن سأستَعرض أمثِلَة، حتَّى تَفهموا سَبب حُزني: عِندَما أَركب مَع صَديقي سَائق الأُجْرَة البَنغَالي؛ يَطلب منِّي أنْ أستَخرج فِيزا لابنه؛ ليَحضر للعَمل في السّعودية، عَارِضاً عَليَّ المَال، ودَفْع التَّكاليف..! وإذَا دَخلتُ الفُندق؛ قَابلني أَحدهم قَائلاً: هَل أَنتَ «أحمد» الذي يَكتب في جريدة المَدينة؟.. فإذَا قُلتُ: نَعم، قَال لِي: تَكْفَى، ابنتي مُعلِّمة، وأحتَاج وَاسطة لنَقلها؛ مِن قَرية في الشِّمال، إلَى قَرية في الجنُوب..! وإذَا فَتَحتُ الإيميل، وَجدتُ عَشرَات الرَّسَائِل تَستجدي المُطَالبة بـ(#ضم_الدَّارسين_عَلى_حِسَابهم_الخَاص) للمُبتعثين، وإذَا فَتحتُ تويتر، وَجدتُ عَشرَات الطَّلبَات؛ التي يَبحث أصحَابها عَن وَظَائِف، مُطالبين أنْ أَنْقل صَوت مُعَانَاتهم مِن البَطَالَة إلَى المَسؤولين..! بَعد كُلّ هَذه الطَّلبات، أَذهَب إلَى الجوَّال، فأَجَد أَحَد أَصدقَائي يَبحث عَن وَاسطة، ليَتمكَّن مِن إدخَال وَالده إلَى المُستشفَى، رَاجياً تَسليط الضّوء عَلى شُحّ الأَسرَّة في المُستشفيات الحكوميّة، وإذَا ذَهبتُ إلَى الوَاتس أب، وَجدتُ طَلبَات مِن بَعض المُبتدئين في الكِتَابَة، يَطلبون وَسَاطتي لنَشر كِتَابَاتهم في أي وسيلَة إعلَاميّة..! أمَّا إذَا بَدأتُ أُمارِس ريَاضة المَشي -حَول المَقبرة التي أُحبّها- هَرباً مِن طَلبَات النَّاس، أتفَاجأ بأنَّ هُنَاك مَن يَنتظرني، ليَطلب منِّي أنْ أُسَاعده في البَحْث؛ عَن قبُول لابنهِ في إحدَى الجَامِعَات..! وأَخيراً ولَيس آخراً، إذَا ذَهبتُ إلَى المَسجد؛ أو إلَى أي مُنَاسبة اجتمَاعيّة، خَرجتُ وفي رَأسي عَشرَات مِن الطَّلبَات المُتنوّعة، التي تَهمُّ حيَاة النَّاس، مِثل انقطَاع الكَهْرَبَاء والمَاء، وتَأخُّر الرَّحلَات الجَويّة، وازدحَام الشَّوارِع..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بقي أن أؤكد سعادتي وفرحتي؛ حين يُحسن النَّاس الظَّن بِي، فمَا أجمَل أنْ تَكون أَمَلاً وجِسْراً لعبُور أحلَام الآخرين، ولَكن السّعادة لَا تَكتمل، لأنَّ المَرَارَة تَطرح نَفسها، وتَقول: لِمَاذا تَمرُّ الهمُوم عَبر الشَّكَاوَى لهَذا الكَاتِب أو ذَاك؟ ولمَاذا لَا يَصل النَّاس إلَى أحلَامهم عَبر الطُّرق المَشروعة والوَاضِحَة؛ التي يَكفلها لَهم النِّظام؟ ولِمَاذا لَم تُلبَّ مَطالبهم؛ بطَريقَة تَرفع رؤوسهم..؟! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :