إن في حياة الأمم والشعوب لحظات يتعين فيها على هؤلاء الذين يتصفون بالحكمة والرؤية الثاقبة أن ينظروا الى ما وراء الماضي بتعقيداته ورواسبه من أجل انطلاقة جسور نحو أفاق جديدة ومستقبل منظور. في مثل هذه الأيام من كل عام يعيش الشرفاء والوطنيين الاحرار حالة لا توصف من الفرح والسرور بالانتصار، أنه يوم 6 اكتوبر في هذا اليوم ومنذ 47 عاما رحل الخوف والقلق. رحلت مرحلة اللا حرب واللا سلم والتي عاشها الشعب بعد هزيمة 1967 من قلوب الناس مدنيين وعسكريين عندما قيلت الكلمة بحكمة وبالوقت المناسب. بعد سلسلة تحضيرات ومناورات وتخطيط على أعلى المستويات وكان التنسيق على قدم وساق بين كل الوحدات العسكرية والأمنية لتكون الضربة واحدة مباغتة وفي يوم لم يكن بالحسبان أنه يوم كيبور. وهو يصادف عيد وعطلة رسمية لأنه مناسبة دينية عند الأعداء آنذاك وكلنا أو أغلبنا بات يعرف قصة الجيش الذي لا يقهر وقصة خط بارليف المنيع والتحصين العالي المستوى لهذا الخط، وكيف انهار تحت اقدام ابطال الجيش المصري مساندا ومساعدا لشقيقه الجيش السوري على جبهة الجولان عندما اغار الجيشان السوري والمصري في الساعة الثانية ظهرا يوم العاشر من رمضان والذي توافق مع السادس من اكتوبر. هنا وقف الخلق ينظرون جميعا كيف بنت مصر قواعد المجد وحدها. وقف العالم مبهورًا أمام قوة وعظمة بناة الاهرام وهم يعبرون قناة السويس إلى الضفة الشرقية والتي شكلت حالة يأس وحزن للشعب سابقًا. ولن أتحدث هنا عن آلاف الأسرى ومئات الطائرات من جانب العدو التي سقطت والتي أربكت الأجواء العسكرية والسياسية في الداخل الإسرائيلي. نعم لقد وقف العالم مبهورا أمام هذا التخطيط المذهل والتنسيق والتعاون الجبار بين كل قيادات الجيشين ولا ننسى أن الاستعداد بدأ لهذه الملحمة فورًا بعد هزيمة يونيو سبع وستين. وكانت سنوات الاستنزاف والتدريبات والخبرات والتجارب التي تم تحصيلها في سنوات 68و 69 زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي لم يمهله القدر، ولكن بقيت التحضيرات والاستعدادات في عهد بطل الحرب والسلام الرئيس الراحل أنور السادات حتى 1973 كانت توضع اللبنات الأساسية لهذا الانتصار العظيم. لذلك اعود للقول بأن العالم وقف مذهولا بما صنعته ايادي الابطال في كلا من سوريا ومصر في الساعات الأولى من يوم 6 اكتوبر ومن تكاتف الأمم العربية المحيطة من الجزائر من العراق من الكويت من السعودية من المغرب حيث عاش العرب تلك الأيام وفي ليلة أصبحوا ملايين تحارب جنبا إلى جنب مع الجيشين السوري والمصري. اختلطت دماء الإخوة على جبهتي القنال والجولان وكان رد اعتبار لهذه الأمة عالي المستوى. وكان أيضا غالي الثمن وكانت أيضا هذه الحرب مقدمة هامة بالدخول في مفاوضات السلام بعد اكتساب ورقة القوة في هذه المفاوضات. المفاوض المصري دخل وفي جيبه ورقة انتصار أكتوبر ولم يدخل مهزومًا مكسورًا دخل وهو رجل الحرب كما هو رجل السلام. لأن من يذكر جيدًا كلمة الرئيس الراحل السادات في الكنيست حين قال السلام عليكم ورحمة الله. والسلام لنا جميعا باذن الله لم يكن يقول هذه الكلمات من موقع ضعف أو استكانة بل من موقع قوة وثقة بالنفس والامكانيات. ثقة بهذا الجندي الذي ادهش العالم عندما حمل روحه بين يديه وهو يحفر جدار بارليف بكل قوة وعزيمة. نعم لقد وقف أمامهم بقدمين ثابتتين لفتح صفحة جديدة تكون منارة خير وعلم للاجيال القادمة. وليبدأ عهدًا جديدًا في المنطقة، عهد السلام. والذي لابد منه لكي تعيش المنطقة برخاء ورفاه وامان تحت مظلة السلام للجميع ومن أجل الجميع.
مشاركة :