زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أمور تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، والعميد المساعد بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت. وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة (w-alali@hotmail.com) أو فاكس رقم: (24815921) إن القول على الله تعالى بغير علم: تقدم بين يدي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك في الفتيا أو في القضاء والحكم، لذا فقد جعل الله تعالى القول عليه بغير علم من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا من الموبقات، فقال تعالى: «قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون». فجعل الله سبحانه وتعالى المحرمات أربع دركات، وبدأ بأدناها وهي الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً منها وهو الاثم والظلم، ثم ثلّث بما هو أعظم تحريماً منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربّع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم. وهذا يعم القول عليه سبحانه وتعالى بلا علم في ذاته، وأسمائه وصفاته، وأقواله وأفعاله، ودينه وشرعه. فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله تعالى من القول عليه بلا علم، ولا أشد انما، وهو أصل الشرك والكفر، وعليه أسست البدع والضلالات، فكل بدعة مُضلة في الدين: فأساسها القول على الله تعالى بلا علم، لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى، ونسبته الى مالا يليق به، وتغيير دينه وتبديله، ونفي ما اثبته، واثبات ما نفاه، وعداوة مَن والاه، وموالاة مَن عاداه، وحب ما أبغضه، وبغض ما أحبه، وتحريم ما أحله، وتحليل ما حرمه. وقد قال الله تعالى: «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب، هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب، ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع قليل ولهم عذاب أليم». فتقدم إليهم الفعال لما يريد؛ بالوعيد الشديد، على الكذب عليه في الأحكام، وقولهم لما لم يحله هذا حلال ولما لم يحرمه هذا حرام. قال الربيع بن خثيم رحمه الله تعالى: (ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا، وحرم كذا، فيقول الله له: كذبت، لم أحل كذا، ولم أحرم كذا). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمّر أميراً على جيش أو سرية: أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومَن معه من المسلمين خيراً، وكان من جملة ما يوصيه به: قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا حاصرت أهل حصن فارادوك أن تنزلهم على حكم الله: فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري اتصيب حكم الله فيهم أم لا؟)، رواه مسلم من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه. ومما يدل على خطورة الفتوى بغير علم: ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أفتى بغير علم كان اثمه على مَن أفتاه»، رواه أبوداود وابن ماجة. ولو نظرنا في سير سلف الأمة الصالحين: لوجدناهم من أروع الناس في الفتيا عن رب العالمين قال ابن ابي مليكة رحمه الله تعالى «سئل أبوبكر الصديق رضي الله عنه عن آية فقال: (أي أرض تقلني؟ وأي سماء تظلني؟ وأين أذهب؟ وكيف أصنع؟ اذا أنا قلت في كتاب الله برأيي، أو بما لا أعلم). وقال مسروق رحمه الله تعالى: (كتب كاتب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر فانتهره عمر وقال: لا، بل أكتب: هذا ما رأى عمر، فإن كان صواباً: فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر). وقال مسروق رحمه الله تعالى: (كنا عند عبدالله بن مسعود رضي الله عنه جلوساً وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبدالرحمن، ان قاصاً عند أبواب كندة يقص، ويزعم: ان آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنون منه كهيئة الزكام، فقال عبدالله وجلس وهو غضبان: يا أيها الناس، اتقوا الله، من علم منكم شيئاً، فليقل بما يعلم، ومن لم يعلم: فليقل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم ان يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) رواه البخاري ومسلم. وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (ان الذي يفتي الناس في كل ما يستفتى: لمجنون) رواه الدارمي. وقال أبوحصين الأسدي رحمه الله تعالى: (ان أحدهم ليُفتي في المسألة، ولو وردت على عمر، لجمع لها أهل بدر) رواه البيهقي. فالواجب على من تصدّر للفتوى ان يتدثر بآداب الافتاء الشرعية، وان تسربل بأخلاق الاجابة المرعية، فمن ذلك: ان يتحلى بالتمهل وان يتخلى عن التعجل، كما قال مالك بن أنس رحمه الله تعالى: (العجلة في الفتوى، نوع من الجهل والخرق، التأني من الله، والعجلة من الشيطان) رواه البيهقي. كما يجب على المفتي أن يعلم ان المستفتين: جعلوه سفيراً بينهم وبين رب العالمين، كما قال ابن المنكدر رحمه الله تعالى: (العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهما)، رواه البيهقي. وليحذر المفتي كل الحذر من الحيلة في التخلص من السؤال، والقول بلا علم على الكبير المتعال، كما قال القاضي ابن خلدة رحمه الله تعالى: (يا ربيعة، اراك تُفتي الناس، فإذا جاءك الرجل يسألك: فلا يكن همك ان تتخلص مما سألك عنه) رواه البيهقي. وعلى المفتي قبل أن يفتي في مسألة فتلحقه الملامة، ان يسأل ربه تبارك وتعالى السلامة، فكان سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى لا يكاد يفتي في سؤال إلا تضرع لذي الجلال، وقال: (اللهم سلمني، وسلم مني) رواه البيهقي. وعلى المفتي ان يعلم ان العلم أبواب، فلا يكن علمه بباب منه فاتحاً لباب القول بلا علم على العزيز الوهاب، كما قال سحنون بن سعيد رحمه الله تعالى: (اجسر الناس على الفُتيا أقلهم علماً، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم، يظن أن الحق كله فيه) رواه ابن عبدالبر.
مشاركة :