حتى لا تتكرر مأساة جامعة تبوك

  • 8/6/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لدى كل منا طموحه وتطلعاته في الحياة، وهدفه الذي يسعى إلى تحقيقه مهما كانت التضحيات والتنازلات، فلسنا سواء. هناك من يجد همته العالية حتى الثريا، ومنهم من يكتفي ببناءِ بيتٍ وتكوين أسرة، ومنهم من إذا بات آمناً في سربه معافىً في بدنه عنده قوت يومه فقد ملك الدنيا ومن فيها، ولا نُعِيب على أحدٍ طريقاً يشقُّه ليُسعِد به نفسه وأهله، ويُرضي الله عزَّ وجل قبل هذا وذاك. في حياتنا لا بد من عوائق وعقباتٍ وموانع (الضربات المتتالية على الظهر إن لم تكسره فإنها تقويه)! وكما نحن نختلف في سبُل إنجاز الهدف كذلك فنحن نختلف في طرقِ معالجةِ هذه العوائق، هناك من لا يملك إلا لونين اثنين في هذه المُعالجة (أبيض أو أسود)، مع أن المنطقة الرمادية أوسع مساحةً وقد تكون أكثر تحقيقاً للفائدة، وهناك من أكسبته الحياة خبرةً، فتراه يبحث في البدائل حتى يقع على أفضلها فلا تضيعُ عليه فرص الحياة. ثقافة البدائل ما زالت صفراً عند الكثيرين، نجد أحدنا يقف عاجزاً عن إكمال مشاريعه (العلمية، التعليمية، التجارية، الدعوية، الاجتماعية، الإنشائية، الاقتصادية،،،) لمجرد أنه وجد عقدةً في منشاره، فهو لا يعرف سوى هذا المنشار يشحذ به هِمَمَه، تتأخر رحلتُه الجويَّة أو تفوته الطائرة فيملأ أرض المطار صراخاً وعويلاً يقف عاجزاً في البحث عن بديلٍ مناسبٍ، وآخر تفوته فرصة الالتحاق بوظيفةٍ ما فلا يعرف إلا طريق الشكوى، وتضيع أيامُه في متابعة شكواه بين دهاليز الإدارات والأقسام، وذاك لم يجد مقعداً في تلك الجامعة فيقف عند أبوابها يترجى أصحاب المعالي والسعادة ولا يرضى عنه بديلاً، وأنا هنا لا أدعو إلى الاستسلام وعدم المطالبةِ بالحقوق لمن يستحقها، فمن عَرَف حقوقه عزَّ عليه أن يراها مهضومةً، ومن عرف حقه عزَّ عليه أن يراهُ مُغتصباً، لأن من يتنازل عن حقِّه فقد تنازل عن صفته كإنسان. هناك مثلٌ جميل يُشير إلى أن (الحق كالفلِّين) دائماً تراه يطفو ولا يغوص أبدأً شرط أن يجد من صاحبه صبراً وجهداً وسعياً إليه، فئةٌ أخرى من الناس من ألهمهم الله حكمةً وذكاءً وبصيرةً، نجده يبحث عن البديل، عن تلك الرحلة الفائتة، والوظيفة المغتصبة ومقعد الدراسة المسلوب، والفتاة التي خطبها غيره، والمنزل الذي اشتراه من سبقه، والخبز الذي لم يجده في الفرن، والطفل الذي لم ينجبه، والشمعة التي انطفأت في حياته. مدارسنا علَّمتنا الكثير إلا أن تجعل في مناهجها ثقافة البديل، لا يوجد درس يقول للطالب: حياتك طويلة وبها متعثرات، ابحث عن البديل الأفضل عندما تفقد هدفك ولا تعجزن! «البديل» لا يعني أن تصرف نظرك عن تحقيق أهدافك، وإنما هو البحث عن طريقٍ آخر فلعلَّه يكون هو الأفضل وفيه الخير الكثير، انظر إلى (النملة) راقبها جيداً وهي تسير، وقم بوضع مادةٍ صلبةٍ أمامها فسرعان ما تُحوِّل وجهة سيرها فهي لا تقف أبداً. مأساة جامعة تبوك تعاطفنا معها كثيراً، وأوجعت قلوبنا للمصير الذي آلت إليه الأم المكلومة، ومع هذا المنظر المأساوي تأتي كلمة ولكن لتطرح سؤالاً هاماً، هل يستحق مقعد في الجامعة أو مقصد دنيوي - أيَّاً كان - ليكون مصيرنا هو نهاية حياتنا. وأنا هنا لا ألوم أمَّاً دعونا لها كثيراً بأن يتغمدها الله بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته، فهي قد كانت تُطالب بحق ابنتها (النظامي في مستوى الدرجات المكتسبة، والشرعي في حقها العادل)، ولكني أتعاطف مع لحظة ضعفٍ وقهرٍ نعيشها عندما تتحطم أحلامنا على صخرة الواقع، والأكثر ظلماً عندما لا نجد جواباً يشفي غليلا صارخا عندما تُهضم الحقوق وتضيع منا الفرص. في اعتقادي جازمةً بأن ما يستحق الدفاع عنه بمقابلِ أنفاسِ المرءِ وحياتِه هم: (دينٌ، وعرضٌ، ورغيفُ خبزٍ، وأمن وطن). في الختام: يقول ابن الجوزي يرحمه الله تعالى: وقد عَرفتُ بالبديل أن الهمة مولودةٌ مع الآدمي، وإنما تقصرُ بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حُثَّت سارت.

مشاركة :