أكد عدد من علماء الإسلام أن إصرار البعض على تكرار حج التطوع، هو أبرز أسباب الزحام الذي أدى إلى حادث التدافع في منى خلال موسم حج هذا العام وذهب ضحيته مئات الحجاج. وطالب العلماء بترشيد حج التطوع لتخفيف الزحام، موضحين أن التبرع بنفقات هذا الحج للفقراء والمحتاجين أكثر ثواباً عند الله. كما أكد العلماء ضرورة أن يلتزم ضيوف الرحمن بمنهج التيسير في أداء المناسك، و أن الحاج يجب ألاّ ينفذ من السنن والمستحبات إلا ما يستطيع وما تسمح به الظروف. وقال العلماء لالخليج إن هناك دروساً مستفادة من حادث التدافع في منى، ولا بد من الاستفادة بها، وفيما يلي خلاصة ما قدموه من نصائح وتوجيهات: يقول د. أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء: يقول تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين، أي أن الحج لازم على كل مستطيع حال توفر شرط الاستطاعة، ولذلك فإن الانشغال عن فريضة الحج هو انشغال عن عبادة واجبة وتأخيرها يعرض الإنسان لضياع فرصة لا يدري هل ستتاح له مرة أخرى أم لا، فالأعمار بيد الخالق القادر وحده، وهو العليم الخبير، وعلى كل إنسان أن يلبي نداء خالقه ويبادر بأداء الفريضة متى توفرت له الاستطاعة المادية والبدنية. ترشيد مطلوب ويتابع عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: إن الحج فرض على المسلم القادر عليه مرة واحدة في العمر، وتكراره مجرد عبادة تطوعية، ولو وجه المسلم نفقات حجه التطوعي إلى مساعدة الفقراء و المحتاجين لكان ذلك أفضل وأكثر ثواباً له عند الله، ومجتمعاتنا العربية والإسلامية تعج الآن بالفقراء والمرضى وأصحاب الحاجات، وهذا أمر لا يجور للإنسان أن يتجاهله، والمسلم لكي يعيش سعيداً في مجتمعه فإن عليه حقوقاً للفقراء والمحتاجين في هذا المجتمع، وعليه أن يشعرهم أيضاً بقدر من السعادة والرضا حتى يمحو ما في نفوسهم من حسد أو حقد. لذلك ينصح د. هاشم القادرين الذين يحرصون على أداء مناسك الحج كل عام أن يعيدوا حساباتهم، وأن يقدموا الأموال التي ينفقونها في رحلات الحج التطوعية إلى الفقراء والمرضى وأصحاب الحاجات، لأنهم بذلك يحلون مشكلتين كبيرتين: - الأولى مساعدة الفقراء والمحتاجين وهذا أمر مهم للغاية وواجب ديني واجتماعي. - والثانية: تخفيف حدة الزحام في الحج وإعطاء الفرصة لمن لم يسبق لهم أداء الفريضة لكي يؤدوها في سهولة ويسر، فحج التطوع أهم أسباب الزحام ولا بد من ترشيده. شريعة اليسر الفقيه الأزهري د. سعد الدين هلالي أستاذ الشريعة الإسلامية يعتبر حج التطوع المسؤول الأول عن الزحام في الحج، ويقول: الزحام الشديد الذي نشاهده في الحج يأتي نتيجة حرص كثير من القادرين على تكرار الحج كل عدة أعوام، ومن بين الحجاج من يتحايل لكي يؤدي الحج كل عام. ويوضح د. هلالي أن شريعتنا الإسلامية تقوم على اليسر ولا تعرف العصر وتحميل المسلم ما لا يطيق، فالله سبحانه وتعالى لا يلزم الإنسان بأمر فوق طاقته والقرآن الكريم وضع قاعدة التيسير بقول الحق سبحانه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه الكريم يريد بنا اليسر ولا يريد لنا العسر والمشقة، ومن مظاهر رحمته بعباده أنه لم يكلفهم ما لا يطيقون وهو القائل ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، والقائل يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً. ولذلك ينبغي على المسلم أن يأخذ بمنطق التيسير، فالحج مرة واحدة، وبما أن الحج أصبح جهاداً بدنياً ومشقة كبيرة فلا ينبغي أن يكلف المسلم نفسه فوق طاقته، وعليه أن يقدم نفقات حجه التطوعي لو كان يريد أجر وثواب الحج التطوعي للفقراء وأصحاب الحاجات وما أكثرهم في بلادنا العربية والإسلامية، وقد قال كثير من العلماء إن التبرع لأعمال الخير أولى من حج التطوع. نظرة جديدة ويؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر أن مناسك الحج تحتاج إلى نظرة جديدة تقوم على التيسير ومراعاة الزحام الشديد، ويقول هناك سنن ومستحبات فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرص عليها صحابته اقتداء برسول الإنسانية، وهي أمور تجلب لمن يفعلها الأجر والثواب إذا كان قادراً عليها بشرط ألاّ يعرض حياته أو حياة الآخرين للخطر، وعندما أدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وأدى بعض الأمور المستحبة، قال خذوا عني مناسككم لم يكن في الأماكن المقدسة هذا العدد الكبير من ضيوف الرحمن، ولم يكن هناك زحام كالذي نراه اليوم، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا اليوم وشاهد هذا الزحام على الحج لنهى عن كثير من الأمور غير الواجبة التي يفعلها الحجاج. لذلك يؤكد د. هلالي ضرورة حرص الحاج على أداء الأركان الأساسية للفريضة وأن يلتزم بالواجبات أما السنن والمستحبات وهي معروفة وموضحة في الكتيبات التي يحملها ضيوف الرحمن فالإنسان يفعل منها ما يستطيع وما تسمح به الظروف. دروس من التدافع الفقيه الأزهري د. محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر يؤكد ضرورة أخذ الدروس من حادث التدافع في منى هذا العام ومساندة المملكة العربية السعودية في اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة للحد من تكرار الحج والعمرة، ويقول: الإسلام دين يسر لا عسر فيه، والله سبحانه تعالى لا يلزم الإنسان بأمر فوق طاقته، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. ومن مظاهر رحمته بعباده أنه لم يكلفهم ما لا يطيقون، ومن هنا لا ينبغي على المسلم أن يكلف نفسه بدنياً ومالياً نفقات ومتاعب حج النافلة طمعاً في الأجر، لأن الأجر المنتظر من حج النافلة يستطيع المسلم أن يحصل عليه من أعمال كثيرة، من بينها التصدق على الفقراء والمساكين والمرضى وطلاب العلم الفقراء وغير ذلك من أوجه الإنفاق الكثيرة والمتنوعة. ما يطالب د. عثمان بتوعية الحجاج في بلادهم قبل السفر بأحكام المناسك وبيان الواجبات من المستحبات وإرشاد ضيوف الرحمن إلى ضرورة التزام منهج التيسير في أداء المناسك، والذي يجنبهم مخاطر كثيرة، ويقول: على ضيوف الرحمن تفادي الزحام في رمي الجمرات، وأن يأخذوا بآراء العلماء والفقهاء الذين قالوا بالرمي طوال ساعات الليل والنهار، وأيضاً في الطواف حول الكعبة ليس مطلوباً من المسلم أن يقبل الحجر الأسود وحرص البعض على ذلك بعرضه ويعرض الآخرين لمخاطر، وليس مطلوباً من المسلم أن يصعد الجبل المعروف بجبل الرحمة في عرفات، فعرفات كله موقف ولا فضل فيه لمكان على آخر.. وليس مطلوباً من المسلم أن يبيت في مزدلفة بل المطلوب منه أن يمر عليها ويجمع منها الحصوات التي سيرمي بها الجمرات.. ويجوز لكبار السن والمرضى أن يغادروا منطقة منى أيام التشريق ويبيتوا في مكة أو ضواحيها حرصاً على سلامتهم، وهذه مجرد إشارات للأمور التي يجوز للحاج أن يتخلى عنها من دون أن يؤثر ذلك في صحة حجه ولا في أجره وثوابه. كتيبات التعسير العالمة الأزهرية د. عبلة الكحلاوي تعبر عن حزنها الشديد لما حدث في حج هذا العام من تدافع ووقوع قتلى ومصابين، وتسأل الله أن يحتسبهم من الشهداء الأبرار، وتؤكد أن التعسير في أداء مناسك الحج يصنعه بعض الذين يتصدون للفتوى وتغيب عنهم سماحة الإسلام ويسره، وتقول: إن الحجاج يقرأون في كتيبات عديدة يحرض الكثير منها على التعسير، ذلك أن معظم الكتيبات الإرشادية تقول للحجاج: هكذا حج رسول الله، فإذا أردتم حجاً مبروراً فحجوا كما حج، كما أنها تحمل عبارة الأجر على قدر المشقة وهي تدفع بعض الحجاج إلى التعسير على أنفسهم وتعريض أبدانهم لمشقات لا تحتملها مع أن دين الله يسر لا عسر، ولو كان رسول الله يعيش بيننا الآن ويؤدي الحج لاستغنى عن كثير من السنن التي أداها قبل أن تتدفق هذه الأمواج البشرية على المشاعر المقدسة خلال موسم الحج. وتشير د. عبلة إلى أن مناسك الحج معروفة ومحددة ولا يستطيع أحد أن ينتقص منها، وهناك أركان وواجبات وسنن، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خذوا على مناسككم إلا أن المسلم ليس مطالباً بفعل سنة يعجز عن أدائها، فمن استطاع أن يحج كما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون أن يعرض حياته للخطر أو يتسبب بأذى بدني أو نفسي لرفاقه من ضيوف الرحمن فهو مطالب شرعاً بأن يفعل ذلك، ومن ترك سنة حالت ظروفه أن يفعلها فإن دين الله يسر لا عسر، ولو عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا اليوم وشاهد ما آل إليه الحج من زحام شديد لتخلى عن كثير مما فعل، رحمة بالحجاج وتيسيراً عليهم. مشقة مصطنعة وتضيف الفقيهة الأزهرية: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) هكذا وجهنا الخالق عز وجل في أمور حياتنا وفي عباداتنا، فلا يجوز للمسلم أن يحمل نفسه أكثر من طاقتها والمشقة المصطنعة في الحج لا فائدة منها، والذين يعرضون حياتهم للخطر في رمي الجمرات وفي الصعود على جبل الرحمة في عرفات، والذين يتركون السيارات المخصصة لنقلهم بين المشاعر، ويسيرون على الأقدام من دون حاجة لذلك، هؤلاء يصعّبون على أنفسهم ما سهله لهم الإسلام الذي يقوم في كل عباداته ومعاملاته على اليسر ورفع الحرج، ولذلك نقول لكل من يسافر لأداء الفريضة: لا تكلف نفسك فوق طاقتها في المال أو الجهد الجسدي، واحرص على راحة غيرك، كما تحرص على راحة نفسك، وعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، ونذكر كل ضيوف الرحمن بقول الحق سبحانه: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وبالتالي لا يجوز لأحد أن يعرض حياته للهلاك بالصعود إلى قمم الجبال، أو مدافعة ضيوف الرحمن في رمي الجمرات، أو الإفاضة من عرفات، أو السعي، أو الطواف.
مشاركة :