إيتالو كالفينو.. سيرة للحواس الخمس

  • 10/17/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» في التاسع عشر من سبتمبر/ أيلول عام 1985 توفي الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو عن عمر يناهز الثانية والستين، إثر نزيف مفاجئ في الدماغ، في تلك اللحظة تحول الرجل إلى خبر مهم في أنحاء العالم، حتى أن بعض الصحف قدم خبر وفاته على خبر الزلزال الذي هز المكسيك آنذاك، وقامت الفاتيكان بتوجيه رسالة تعزية إلى أسرته، وكانت هناك رسالة أخرى من الرئيس الإيطالي. ولد كالفينو في كوبا، 15 أكتوبر/ تنشرين الأول 1923، وعاش في إيطاليا، واهتم في الستينات من القرن العشرين، بالمدارس النقدية والفلسفية الجديدة في فرنسا، خصوصاً جاك ديريدا، ورولان بارت، ما أثر كثيراً في طبيعة أعماله الروائية، ومنحها عمقاً فلسفياً، وأسبغ على نظرته إلى الأشياء والعالم طابعاً جدياً مختلفاً عما هو سائد. اشتهر كالفينو بثلاثيته الروائية «أسلافنا»، واستغرب الكثيرون من متابعيه عدم حصوله على جائزة نوبل، قبل موته في الثمانينات من القرن الماضي، وذهابها بعد ذلك بسنوات قليلة في عام 1997 إلى مواطنه الكاتب والممثل المسرحي داريوفو، الذي كان مغموراً خارج بلده، قبل منحه الجائزة. يمتاز إيتالو كالفينو برواية الخيال التاريخي، والمزج ما بين الواقع والأسطورة، عبر لغة جميلة، وسرد روائي محكم، ما جعله يتربع على عرش الرواية الإيطالية مع كبار الروائيين في العالم، وقد قال عنه كارلوس فويتنس: «إن القارئ لا يجد صعوبة، في أن يدرك أن رواية ما غير موقعة، هي من روايات الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو إذ يكفي بعد قراءتها، أن يشعر بالحسد تجاه هذا الكاتب، الذي استطاع أن يهتدي إلى الفكرة، قبل أن تهتدي إليها أنت». بدأ كالفينو بكتابة سيرة روائية للحواس الخمس، قبل عشرين عاماً من وفاته، تاركاً ثلاثاً منها، هي التذوق، والسمع، والشم، نصف مكتملة، ونشرت هذه السيرة في مطلع عام 1992 ضمن مجموعة حملت اسم «تحت الشمس الضارية»، وهي مجموعة صغيرة كان يسميها «تمرينات»، في إشارة إلى أنها دفتر ملحوظات، يدرس فيه مشكلات المعرفة، وطبيعة الزمن، ودور اللغة، وتلخص هذه الأجزاء المتفرقة أهم خصائص أسلوب كالفينو. إنها تذكّر بآخر كتبه «السيد بالومار»، وبطله الرمزي، المرتعد من تعقيدات العالم، وقيمه النسبية المربكة. اشتهر «كالفينو» بين معاصريه من الأدباء بأنه يرفض أن يكون كئيباً، ولديه مفهوم محدد للأدب: «إنه ذلك الذي يتنفس الفلسفة والعلوم، لكنه يحافظ على مسافة بينه وبينهما في تجسيده للواقع مع كل نفثة، لأن وظيفة الأدب هي فحص شبكة الأصوات، التي ينطوي عليها الصمت، ويستطيع المرء أن يكشف في تصوير كالفينو الواقعي للأشياء، وفي حسيته، ما يمكن أن يسمى الرومانسية الجديدة، خصوصاً أنه التقى خلال الخمسة عشر عاماً، التي عاشها في باريس، بأشخاص مثل آلان روب جرييه، وميشيل بوتور، إلا أنه اختلف عن هؤلاء الكتاب، أصحاب ما اصطلح على تسميته «الرواية المضادة»، والذين يفتقرون إلى روح الدعابة. كان كالفينو يصر على الصفة التربوية الكامنة في القصة الخرافية، وعلى وظيفتها كمثال أخلاقي، لكن هذا لا يعني أنه غرق في تصورات نابعة من المأثورات الشعبية، تخالف الموروثات الأخرى، أو تناقضها، بل يعني أنه كان باحثاً في هذا الاتجاه، وجاءت مختاراته من القصص الشعبي الإيطالي، التي تعد عملاً كلاسيكياً، كأنها الجواب على مختارات الأخوين جريم الألمانيين من القصص الشعبي الألماني. انهمك كالفينو في مسائل تقنية محضة متعلقة بالأدب، ما يوهم بأنه يفتقر إلى الانهماك في المشاغل الإنسانية، إلا أن هذا الوهم سرعان ما يتبدد لدى قراءة أعمال له، مثل «مدن لا مرئية»، و«ماركو فالدو»، و«السيد بالومار»، فهذه الأعمال تظهره كواحد من أكثر الشخصيات الأوروبية الحديثة إنسانية، وقد وجدت إقبالاً جماهيرياً لسهولتها، وبيعت ثلاثيته «أسلافنا» في الخمسينات، كما تباع كتب الأطفال، وخلال نشر هذه الثلاثية كتب قصصاً تتناول خراب العاصمة روما، والخواء الاستهلاكي، واضطهاد الفقراء، وجمعت هذه القصص تحت اسم ماركو فالدو، وأضافت دليلاً آخر على عمق غوص كالفينو.

مشاركة :