سُليمان عبدالغفار يَكْتُب: «القَتْلُ».. في زَمَنِ الوَباءْ!؟!

  • 10/21/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رَوَّعَني الحادِثَ الأليم الذي تَعَرَّضَتْ لَهُ الفَتاة المُسالِمة البَريئة "مَرْيَمْ" رَحِمَها الله – بِأحَدْ شوارِع ضاحية المَعادي – في طَريق عَوْدَتِها مِنْ مَقَرِّ عَمَلِها إلي بَيْتِها – مِمَّا أسْفَرَ عَنْ وَفاتِها على أيْدى هؤلاءِ القَتَلة الذينَ حاوَلوا سِرْقَتِها بِالإكْراه – وأدَّتْ مُقاوَمَتِها لَهُمْ إلى قَتْلِها بِصورَةٍ وَحْشيَّة دونَ رَحْمة أو شَفَقة – هذا التَصَرُّف الجَبان أصابَ كُلَّ أبٍ وأُمٍّ في كُلِّ بَيْت بالأَلَمِ والخَوْفِ، لأنَّ إحْدى بَناتِهِ يُمْكِنْ أنْ تواجِهَ نَفْسَ المَصير. نَعْلَمْ جَميعًا  أنَّ جَرائِم خَطْفِ حَقائِبَ السَيِّدات وحتى الرِجال – باتَتْ ظاهِرة مؤْلِمة تَشْهَدُها الشَوارِع والطُرُقاتِ في كافَّة المُدُنْ والأحياء – وفي كُلِّ الأوْقات لَيْلًا أو في وَضَحِ النهار. هؤلاء هُم "قُطَّاعِ طُرُقْ" العَصْر بِما يَجْعَلُنا نَدُقُّ "أجْراسَ الخَطَر" لأنَّ شَوارِعَنا باتَتْ مَرْتَعًا لِلمُجْرمين وتَفْتَقِدُ الأمان.!؟! قَبْلَ أنْ نَتَناولَ الظاهِرة – في هذا المقال – بِرؤْية مُتَكامِلة – مِنْ حَيْثُ الأسْباب والدوافِع، وكَيْفَ يُمْكِنُنا الخَلاص مِنْها – دَعونا نُلْقي نَظْرة إلى أحْداثٍ مُشابِهة – جَرَتْ بِها وَقائِع التاريخ – وإلى ما جَرى لِمُجْتَمَعاتِنا العَرَبية مِنْ تَدَهْور جَرَّاءَ "الحَداثَةِ المُشَوَّهة" الناجِمة عَنْ تَبَعية مُجْتَمعاتِنا لِلْغَرْب، وسُقوطِها في "مِحْنة التَغْريب" واسْتِشْراء قيَمِ "العُنْفِ والجِنْس" في أفْلامِ السنيما ودراما التلفزيون – دونَ رَقيب – فتَعَوَّدَ المُشاهِد مَناظِرَ الدِّماء والقَتْلَ وانْعِدامِ الأدّبِ والحَياءْ في ظِلِّ تَدَهْور خَطير لِمَنْظومة القيَمِ والأخْلاق – وازدِواجية مُقيتة في ذاتِ الوَقْت مَعْ تَدَيُّن مَغْشوش وادِّعاءٍ كاذِب بالالتِزام – رَغْمَ فَسادِ الذِمَم وعَدَم إتْقان العَمَل والاستِخْفاف بِالقانون.·        أعادَ المَشْهَدِ المُرَوِّع لِمَقْتَل " الشَهيدة مَرْيَمْ " إلى ذاكِرَتي – مَشْهَدًا مِنَ التاريخ – أقْدَمَ على جُرْمِهِ عَدَدًا مِنَ المَهْووسين الدينيين مِمَّنْ قاموا بِقَتْلِ فَيْلَسوفة الإسكندرية "هيباتيا" التي عاشَتْ في النِصْفِ الثاني مِنَ القَرْنِ الرابِعَ الميلادي – بَعْدَ استتباب الأمْرَ لِلمَسيحية في مِصْر آنّذاك – بِدَعْوى اتِهامِها بِالإلحاد، وأنَّها تُسَبِّبُ فِتْنة في المُجْتَمع لِالتِفاف الكَثيرينَ حَوْلَها – فَقاموا بِانتِظارِها في طَريقِ عَوْدَتِها لِبَيْتِها، وجَرَّدوها مِنْ ملابِسِها وقَيَّدوها مِنْ يَدِها حتى تَسَلَّخَ جِلْدِها وأنْهوا حياتِها بِالتَعْذيبِ ثُمَّ قاموا بَحَرْقِ جُثَّتِها – مِمَّا يَدُلُّ على أنَّ الإجرام والإرهاب الناجِم عَنِ الجَهْل، والتَرْويع مُتَعَدِّد الصوَر والأشكال على امتِدادِ عُصورِ التاريخ يَتَفاقمُ عِنْدَما تُصابُ المُجْتَمَعات بالتَشوُّهات وتَنْعَدِمُ فيها حُرِّية الِفكْرِ والرأي – هذا هوَ الذي حَدَثَ لِلمُجْتَمَع السَّكَنْدَري بَعْدَ مَقْتَل عالِمة الرياضيات "هيباتيا" التي كانت تَتَمَتَّع بِقَدْرٍ كَبير مِنَ الجَمال وَوَهَبَتْ حياتِها لِلعِلْم ولَمْ تَتَزَوَّج – كانتْ في الخامِسة والأرْبَعين عِنْدَما قَتَلَها المُتَدَيِّنون المُتَطَرِّفون بِتِلْكَ الطَريقة الوَحْشية – رَغْمَ أنَّ الله الذي يَتَحَدَّثونَ بِإسْمِهِ لا يُكْرِهُ أحَدًا على الإيمانِ بِهِ – وكَرَّمَ الإنْسان على سائِرِ المَخْلوقات.·        إذا تَناولْنا بِالبَحْث أهَمِّ الاسباب التي أدَّت إلى شيوع مِثْل هذه الجرائِم المُرَوِّعة – التي لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُها مُجْتَمعاتِنا مِنْ قَبْل – وبَدأتْ في الانتِشار على امتِدادِ العُقودِ الماضية – لِتأخُذ أشْكالِها الفَجَّة الآن – فَقَدْ نَجَمَ عَنْ حُدوث الخَلَل الكَبير في التَوازُن بَيْنَ القِطاعاتِ الاجتماعية نَتيجة لاستِفحال "ظاهِرة الفَقْر" واستِشْراء "الهِجْرة الداخلية" مِنَ المَناطِق المُهَمَّشة بِاتجاه المُدُنِ الرَئيسية لِغيابِ سياسات وخِطَط التَنْمية المُتوازِنة التي نَتَجَ عَنْها تَعْميقَ الهوَّة بَيْنَ الطَبقات، وتَدَهْور قيَم وعِلاقات التَماسُك والتضامُن بَيْنَ الأفْراد والجَماعات، وانعِكاس كُلَّ هذا على أحْوالِ السُّكْان – خُصوصًا في ظِلِّ التَجَمُّعات السَكَنية التي تَحَوَّلَتْ إلى "بؤرًا عَشْوائية" في قَلْبِ المُدُنِ وعلى أطْرافِها – وما يَسودَها مِنْ بَطالة وجَهْل وعُنْف وانحِراف – بِما أعْطى لِلواقِعِ الاجتماعي والاقتصادي الهَجين "طابِعْ رأسمالي هَمَجي" لا عِلاقة لَهُ مِنْ قَريب أو مِنْ بَعيد بِالتَخْطيط المَدْروس – فَالفُقَراء وَحْدَهُم هُمْ مَنْ يَتَحَمَّلون نتائِج الفَشَل تَحْتَ وَطْأة التَلوُّث والفَوْضى والزِحام.·        مُنْذُ أحَدَ عَشَرَ عامًا – في الثاني مِنْ يونيو 2009م – كَتَبْتُ مَقالًا هامًَّا – نَشَرَتْهُ صَحيفة "القاهرة" التي تُصْدِرُها وزارة الثقافة المصرية – دَعَوْتُ مِنْ خِلالِه إلى ضَرورة مواجَهة ظاهِرَتين غاية في الخُطورة تؤرِّقان ضَميرَ المُجْتَمَع "الأطْفال مِنْ سُكَّانِ القُبور وأطْفالِ الشوارع" مُحَذِّرًا بِأنَّهُم سَوْفَ يَكونون بِمثابة "قنابِل موقوتة" تَنْفَجِر في وجوه الجَميع، وتُهَدِّد المُجْتَمَع بِأشَدِّ المَخاطِر إنْ لَمْ نُبادِر إلى ايجادِ الحُلولِ المُلائِمة لِهاتَيْنِ الظاهِرَتين – قَدَّمْتُ في المقال "مَشْروعًا" لِبِناء مَساكِنْ آدمية يَنْتَقِلُ إليْها هؤلاء – وأنْ يُبادِرَ الأثْرياء بِمُعاونة الحُكومة ورِجالِ الأعْمال لإيجادِ حُلول لِلقضاءِ على ظاهِرة أطْفالِ الشوارِع، بإيوائِهِم وتَعْليمَهُم الحِرَف المُتَنَوِّعة، لإنْقاذِهِم مِنْ بَراثِن الجوع والتَشَرُّد والانْحِراف بِاتِجاهِ ارتِكابِ الجرائِم انتقامًا مِنْ ذَلِكْ المُجْتَمَع الذي تَرَكَهُم يواجِهون مصائِرهُم مَعَ المَجْهول – لِلْحقِّ يُمْكنَ القَوْل – أنَّ هذا ما تَقومُ بِهِ الحكومة الآن قَدْرَ جُهْدِها – إنَّما المسألة أكْبَر مِنْ مُجَرَّد بِناء مساكِن جَديدة – فَالامْرُ يَحْتاجُ إلى خُطة شامِلة لِعِلاجِ الظاهِرة تَتَضافَر فيها جُهودِ الجَميع مِنْ رِجال فِكْرِ وإعْلام وأصْحاب أعْمال – يَعْلَم الجَميع أنَّ العُقودِ الماضية تَزايَدَتْ خِلالِها بؤَرِ العَشْوائيات، وتغاضي الحُكومات السابِقة عَنْ إيجادِ الحُلولِ المُلائِمة لِمواجهة الظاهِرة الخَطيرة – فَقَدْ شَبَّ أطفالُ الشوارِع عَنِ الطوق ليتَحوَّلوا إلى بَلْطَجية يُمارِسونَ إعْمالِ السَرِقة والسَطْو في ظِلِّ مَشاعِرِ اللامُبالاة التي تُسَيْطِر عَلَيْهِم نَتيجة عَدَم انتِماءِهِم لِلمُجْتَمَع وتَحْتَ تأثير المُخَدَّرات وغَيْرِها مِنَ الأعْمالِ المُنافية لِلآداب.·        اليَوْم ولَيْسَ غَدًا – كُلُّنا مُطالَبون بِالمُشاركة لإيجادِ الحُلولِ المُلائِمة لِهَذِهِ الظاهِرة الخَطيرة – فإذا كانتْ الدَوْلة بِكُلِّ أجْهِزَتِها تواجِهُ الإرْهابَ القادِم مِنَ الخارِج – فإنَّ المُجْتَمَع يُعاني الآن مِنْ "إرهابِ الداخِل" على أيْدي القَتَلة والمُجْرمين الذينَ يُرَوِّعونَ الآمنين – إنَّني على يَقين بِأنَّ تَكْثيف دَوْريات رِجالِ الأمْن في الشوارِع، سَوْفَ يؤَدِّي إلى مَنْعِ الكَثير مِنَ الجَرائِم التي يَتِمُّ ارتِكابِها بِالمَيكروباصات والدَرَّاجاتِ البُخارية – لَمْ تَنْتَشِر الفَوْضى وانْعِدامِ الأخْلاق في شوارِعِ البِلاد إلَّا مَعْ تَفاقُم ظاهِرة المَيكروباص فَضْلًا عَنِ الانتِشارِ السَرَطاني لِلموتْسيكلات التي يَجِب وَقْف استيرادِها الآن – لا نَحْتاج أكْثَر مِنْ عملية تَنظيم – فالميكروباصات يُمْكِن تَحْويلَها إلى شَرِكات تُديرُها بِأُسْلوبٍ حضاري – الأفكار كثيرة في هذا الشأْن – أدْعو رِجالِ الفِكْرِ والثقافة والإعلام فَضْلًا عَنِ الجامِعات والمعاهِد ومَراكز البُحوث إلى بَحْثِ الظاهِرة الخَطيرة وتَقْديم الحُلول البَنْاءة بِشأنِها – كَما أدْعو الحُكومة الحالية مُمَثَّلة في رَئيسِها القَدير "الدكتور/مصطَفى مَدبولي" إلى التَفْكير في إيجاد "مشروع كبير" في الظهير الصَحْراوي لِكُلِّ مُحافظة تَكونُ عَمالَتَهُ مِنْ هؤلاءِ العاطلين الذينَ يتحوَّلون مَعَ البطالة إلى "مَشْروعات لِلإجرام" على أنْ يَتِمْ تَدْريبَهُم ويُعامَلونَ مُعاملة المُجَنَّدين بِمُنْتَهى القوة والحَزْم – كَما يَجِب تَشْكيل "مَحاكِم عاجِلة" لِعِقابِ مُرْتَكِبي الجَرائِم في الداخِل، لِأنَّهُم لا يَقِلُّونَ خَطَرًا عَنِ الإرهابيين القادمين مِنَ الخارِج بَلْ إنَّهُم الوَقود الذي يستمد مِنْهُ استِمْرارَهُ وتَهْديدَهُ لِأمْنِ وسَلامة البِلاد – التَحَدِّي كَبير في مواجهة ميراثِ الماضي من اللامُبالاة والفوضى والفساد.·        في مَقالاتٍ سابِقة كَتَبْتُ عَنْ "كورونا كارِثة العَصْر" !؟!... و"حِكاياتِ الضَحِك والبُكاء!؟!..." – وكَيْفَ أنَّ هُناك مُسوخٍ بشرية مِمَّن يُمارسون إرهاب وترويع الآمنين هم أسوأ بكثير من ميكروبات الوباء – و"الحُب في زَمَن كورونا !؟!"... وها أنا أَكْتُبُ اليَوْم والألَم يَعْتَصِرُ قَلْبي عَنِ "القَتْلِ في زَمَنِ الوَباءْ!؟!" ... فَهَلْ باتَتْ الأرض مَرْتَعًا لِلأشْقياءْ؟!! ... لَقَدْ فَجَّرَ انْتِهاكِ حُرِّية وحَياة "الشَهيدة مَرْيَم" مَكامِنُ الحُزْنِ والأسى في قَلْبي ...!؟! فإلى مَتى تَنْزِفُ الدِماءْ ...!؟!... مابالُكُمْ أيُّها القَتْلة – لَقَد أصابَنا الإعْياءْ !؟!... أَمِنْ أجْلِ حَقيبةٍ رُبَّما لَمْ تَكُنْ فيها سِوَى باقة مَناديلْ ...!؟! تَقْتُلونَ زَهْرةً في عُمْرِ الرَبيع ... تَتَباهى بِها الحياة !؟!... يالاَ بَشاعةِ نُفوسِكُمُ الخَراب!؟! – ألِهذا المَدى تُدمِنونَ القُبْح وتَمْقُتونَ الجَمالْ !؟!... بِماذا تُفيدُكُمُ الأمْوال ؟!؟ – وقَدْ قَتَلْتُم "مَرْيَمْ" مِنْ أجْلِها ...!؟!... لَهْفى عَلَيْكي يا ابْنَتي!؟! لَيْتَني كُنْتُ إلى جِوارِك أفْتَديكِ بِمُهْجَتي !؟! وأدْفَعُ عَنْكي هَجْمَة الجُبَناء !؟! لَيْتَكِ يا مَرْيَمُ تَكونينَ آخِرَ الشُهَداء !؟! – يالَكِ مِنْ فتاةٍ رائِعة – تواجِهينَ الرَدَى وَحْدِك ...!؟! – وتَبْذُلينَ الدِّماءِ زَوْدًا عَنْ كَرامَتِكْ ... وحَقيبَتِكْ التي أوْدَعْتِها كِلْماتِكِ الوَرْدية ... وأحْلامَ المَساءْ !؟!... إرقُدي في سَلامٍ يا بُنيتي ... ودَعي الأشْقياءَ لِجُرْمِهِمْ – فَلَسَوْفَ يَتَجَرَّعونَ المَوت – مَرَّةً بَعْدَ مَرَّة – وتَحْرِقُهُم نيران اللَعْنَة والغَضَبْ وهُمْ أحْيَاءْ ...!؟!... لَيْتَكِ يا مَرْيَمُ تَكونينَ آخِرَ الشُهَداءْ !؟!.·        تَنويه: «هذا المَقال إهداء: إلى روحِ الشَهيدة "مَرْيَم" ضَحيْة "حادِث المعادي»

مشاركة :