قراءة في: «جولة ليلية» للقاص والمترجم هشام النهام

  • 10/31/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الترجمة أحد الفنون الإنسانية النبيلة. يسخر فيها المترجم مهاراته اللغوية وحدسه الأدبي، لفتح كنوز العالم البكر، ويتيح للمتعطشين فرصا للنهل منها.إنه يمارس دور الغواص. يبحث عن اللآلئ الثمينة من بين الألوف، يبذل في ذلك جهداً مضنياً لترتديها الجميلات وتسعد بها القلوب المتلهفة للجمال.نعم هو المترجم. يبحث في بحار الأدب. يقرأ الكثير. ثم ينتقي ما يعتقد جودته، ويتذوق جماله، فيحوله من هيروغليفيته الغامضة إلى نص مفهوم لأهل لغته. ينمقه ويرتبه ويضفي عليه روحا منه،  ثم يخرجه كتابا جميلاً.. نتذوق مطالعته في أوقات الهدوء والسكينة، ونتداوله ونناقشه في تجمعاتنا الأدبية، بل نحاكمه بنقد بناء يرتقي بفنه ويرفعه. لذا كانت الترجمة على مر العصور معول بناء في الحضارات، وسبباً من أسباب النهوض الثقافي في كل الأمم. المؤلف هشام النهام، قاص ومترجم ومصرفي ومحاسب قانوني، ولد عام 1980 في مدينة الحرق بمملكة البحرين. نشرت له في الصحافة البحرينية والعربية، قصص من تأليفه وأخرى من ترجمته. فازت قصته القصيرة (عودة أخي) بالمركز السابع، في مسابقة رابطة القصة القصيرة في العالم العربي. عضو في أسرة الأدباء والكتاب البحرينية. صدرت له غير هذه مجموعة قصصية من تأليفه. وكتاب جولة ليلة. هو باكورة إصدارات هشام النهام في ترجمة القصص القصيرة. صدر عن دار يافا العلمية للنشر والتوزيع بالمملكة الأردنية الهاشمية هذا العام 2020.حوى بين دفتيه ثلاثين قصة. شكلت طيفاً ملوناً من الأدب العالمي، وضمت -كما ورد في المقدمة- قصصاً من دول عدة. كالولايات المتحدة، والبرازيل، والأرجنتين، وبوليفيا، وإيطاليا، والتشيك، وألمانيا، والصين، وبنجلاديش، واليابان. كما حوى طيفاً من الأجناس الأدبية كالدراما والواقعي والفنتازي، وغيرها. قدم لكل قصة نبذة من سيرة المولف، تحوي أهم نجزاته. كما تضمنت المجموعة أسماء اشتهرت في أدب السرد الروائي والقصصي. مثل:  فرانز كافكا، اسحق عظيموف، اوليفر هنري، ليديا ديفيس، شابنام ناديا، ايدوقاوا رانبو، وغيرهم. حمل الإصدار عنوان  القصة الأخيرة (جولة ليلية). وكأنه أراد بذلك خلق حالة من التوازن بين البداية والنهاية. وقد يحمل العنوان دلالة تستحث القارئ من دون وعي، ألا يتوقف، حتى يختم جولته عند مستقرها قبل الغلاف الآخر. وهي نقطة ذكية تحسب له. وجدت -وأنا لست مختصاً في  الترجمة- أن اللغة المستخدمة لغة سردية جيدة وسهلة التناول بعدت عن الحرفية، كما خلت من الضعف والركاكة. وأخذت نسقاً واحدا في جميع نصوص المجموعة، كما كانت أخطاء الطباعة محدودة جداً.  نظرة في قصة جولة ليليةنتوقف قليلاً، عند قصة جولة ليلية. للبرازيلي، روبيم فونسيكا*  نجد رجل أعمال مهووسا بشهية القتل استراح بعد يوم عمل شاق. وبطريقة شاذة. يخرج كل ليلة يبحث عن ضحية في الظلام يدهسها بمصدات سيارته الحديثة والقوية. ثم يلوذ بالفرار. لأن أحداً لا يستطيع اللحاق بسيارته التي تنطلق بسرعة خاطفة. فهي مصدر فخره.  وهكذا تكشف القصة عن مفارقات عجيبة في شخصية هذا الإنسان. تعبر عن خواء أخلاقي. لو بحثنا عن الحدث  في هذه القصة فسنجده متمثلا في التجوال الليلي والبحث عن الضحية. فهو يبحث عن ضحية بعينها. (قد تكون هي، على الرغم من أنها بدت لي أقل إثارة، لأنها بدت أسهل). لكنه اعتاد أن يبطش بضحية في كل ليلة (شعرت بالتوتر، كان دائما ما يحدث الأمر هكذا، وكان هذا يروق لي). وفي كل مرة يختار شارعا قليل الحركة والمارة، لتسهل المهمة. (يجب أن يكون شارعاً نائياً في هذه المدينة المكتظة بالسكان أكثر من الذباب). تبعث القصة بعدد من الرسائل: - الخواء الحضاري، يتمثل في قيمة السيارة العالية مقارنة بقيمة الإنسان لديه وزوجه. - التفكك الأسري. فالأب والزوجة والأولاد، كل حزب بما لديهم فرحون. - تدهور منظومة القيم، والعبثية، كالاعتداد بفخامة السيارة وقوة مصداتها، مقابل شهوة إزهاق أرواح البشر بدم بارد (رجل أم امرأة؟ ليشكل هذا فارقاً فعلا). (أطفأت أنوار السيارة، وضغطتُ على دواسة الوقود بكل قوة، لم تستوعب أنني كنت استهدفها بل انه ينتقي ضحاياه بمواصفات محددة:( لكن لم يظهر أحد بالمواصفات المناسبة).المقدمة استغرقت المقدمة والتمهيد  منذ وصوله، وانتظاره في المكتب إلى أن يحين وقت المسلسلات، لتعتذر زوجته عن مرافقته فيخلو له الجو. الخاتمة وخاتمة تختزل اللامبالاة (أنا ذاهب للنوم، تصبحون على خير جميعا، ينتظرني يوم شاق في المكتب).الراوي الراوي هو الشخصية المحورية. الأب المجرم. يعلم بكل شيء قد خطط لفعله. فهو راوٍ داخلي. لذلك اختفى الصوت التحليلي، الذي نلحظه عادة عندما يكون الراوي منفصلا عن شخصيات القصة، وكأنه يتلو لنا حكاية سمعها.  

مشاركة :