العالم يتغير بسرعه فمن كان يعتقد بأنه قوي إقتصادياً بالأمس صار ينضم اليوم إلى التكتلات الاقتصادية الكبرى حتى لا يعيش منعزلاً متقوقعاً لا حراك ولا نشاط في إقتصاده الوطني وتبادلاته التجارية مع الآخرين ، مما يؤدي إلى إنهيار جميع سياساته وخططه التنموية في كل الحقول وتحول كيانه إلى دولة فاشله . لقد أدركت دول الاقتصاديات الكبرى في العالم بأن عليها واجبات وحقوق تجاه شعوبها وشعوب الدول الأخرى التي تتعرض للفقر وفقدان خطط التنميه بسبب الفساد وقلة الموارد ، مما جعل تلك الاقتصاديات الكبرى تدرك حجم متطلبات الاستقرار السياسي والاقتصادي والصحي والاجتماعي والتنموي لشعوبها وللعالم ، إضافة الى ضغط الشعوب والمنظمات الإنسانية والدوليه لتفعيل العامل الإنساني لإنقاذ البشرية من البؤس والشقاء ، يضاف الى ذلك مسؤوليات تلك الإقتصاديات الكبرى تجاه المجتمع الدولي شعوباً ومنظمات وحكومات . في الماضي كانت ما يسمى بدول السبع الصناعية الكبرى التي تشكلت عام ( ١٩٧٦ م ) من كل من أمريكا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا واليابان وتمثل أكبر اقتصاديات العالم هي الوحيدة على الساحه العالميه المعنيه بدور المحافظه على توازن ونشاط الإقتصاد العالمي قبل عام (١٩٩٩م ) ولكنها فشلت في معالجة الأوضاع الاقتصادية العالميه ،ومن هنا انطلقت فكرة إنشاء مجموعة العشرين (G20 ) عام ( 1999 م ) لمعالجة الأوضاع الإقتصاديه وجميع المؤثرات والمتغيرات المرتبطة بها في كل الحقول ، وهنا انضمت إلى الدول الصناعيه السبع عدد (١٣) دولة أخرى لتشكل مجموعة (G20 ) وهي كل من الصين – الهند – إندونيسيا – روسيا – المكسيك – السعوديه – كوريا الجنوبيه – تركيا -جنوب افريقيا – الإتحاد الأوروبي – الأرجنتين – البرازيل – استراليا . إن هذه المجموعه تمتلك ( 90% ) من اجمالي الناتج القومي لدول العالم و (80%) من حجم التجارة العالمية وفقاً لتقارير الأمم المتحده . ويعلم المراقبون والمحللون في تلك الفتره بأن هذا التكتل لم ينشأ لدوافع إنسانية فقط بل لمعالجة قضايا متعدده تتعلق بمصالح هذه الدول التي تحتوي على ثلثي سكان العالم ، ولكن تلك المصالح مرتبطة بسلامة الاقتصاد العالمي ، ومن هنا قررت دول ( G20 ) بأن نجاح وسلامة اقتصادياتها واستقرارها السياسي والإقتصادي مرتبط بمعالجة اقتصاديات الدول الأخرى التي ليست أعضاء في هذه المجموعة الإقتصاديه العشرين . لقد تعرض العالم في القرن الماضي لسلسلة من الهزات الاقتصادية والسياسيه بسبب الأنانية وتضارب المصالح السياسية والإقتصادية الناتجه عن اختلاف الأيديولوجيات والنظريات السياسية والاقتصادية التي جعلت العالم ينقسم إلى معسكرين أحدهما .. المعسكر الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحده الأمريكيه والآخر المعسكر الاشتراكي ، الذي يقوده ما كان يعرف سابقاً بالإتحاد السيوفتي وكل منهما له أيديولوجيته واتباعه من الدول والشعوب والأحلاف العسكريه .. إلا أن العالم استيقظ عام (١٩٩١م) على سقوط احد القطبين للنظام العالمي وهو الإتحاد السيوفيتي وسقط معه حلف وارسو العسكري ، وبالتالي تحول العالم من سياسات القطبين والمواجهات إلى سياسة التعاون والبناء ، وهذا المتغير الكبير في النظام العالمي من اسباب إنشاء مجموعة العشرين الإقتصاديه (G20 ) ، التي تعقد حالياً قمتها الخامسة عشر في الرياض في ( 21-22 نوفمبر 2020 م ).. وهذه القمه لهذه المجموعه تستضيفها السعوديه لأول مره . لقد نفذت السعودية خلال رئاستها لمجموعة العشرين الكثير من الخطوات البناءه استعدادا لهذه القمه ، فتم عقد اكثر من (١٤) اجتماعاً وزارياً واكثر من (٧٠٠) اجتماعاً فنياً وتحضيرياً ( ورش عمل ) لاختيار أوراق عمل هذه القمه .لقد نجحت السعوديه في ايجاد تناغم كبير بين دول (G20) وبين مجموعات العمل مما قاد الى النجاح واختيار اوراق العمل المميزه والشامله لكل المواضيع والملفات . إن مما قامت به دول العشرين في الفترة الماضيه إنفاقها (١١) تريليون دولار لتحفيز فرص العمل والنشاطات الإقتصاديه في عدة دول مما ساهم في التقليل من آثار مسببات الكساد الاقتصادي العالمي مثل الكورونا وغيرها . إن جدول أعمال القمه الخامسة عشره لدول (G20 ) مليء بالمواضيع الهامه التي صاغتها مجموعات العمل والتواصل الثماني التي ظلت في حالة انعقاد قبل وبعد تجهيز توصياتها للقمه وهذه المجموعات هي ( مجموعة الفكر – مجموعة الأعمال – مجموعة الشباب – مجموعة المجتمع المدني – مجموعة المرأه – مجموعة العمال – مجموعة العلوم – مجموعة المجتمع الحضري ) . لقد انتهت هذه المجموعات من ورش عملها ومناقشة أوراقها ورفعت توصياتها للقمه للمصادقة عليها . إن نجاح السعودية في قيادتها لمجموعة العشرين خلال الدورة الحالية يثبت ريادة الدور السعودي البناء على المستوى الاقتصادي العالمي ، وبالتالي فإن دول المجموعه والدول الفقيرة والمنظمات الدولية والمجتمعات المدنيه تُعَوِّلُ الكثير على مخرجات قمة دول العشرين في قمتها الخامسة عشره بالرياض ، وجميعها تثق في الدور السعودي البناء لنجاح هذه القمه وانعاش الاقتصاد العالمي ومساعدة الدول الفقيره . المحلل الإستراتيجي والخبير العسكري اللواء م / حسين محمد معلوي . الأحد “22 نوفمبر 2020 م” ” ٧ربيع الثاني ١٤٥٢هـ ” .
مشاركة :