كانت شاشات التلفزة العالمية ووسائل الإعلام بكافة انواعها تتابع وتتناقل منذ اسابيع أحداث الخروج المذل للقوات الأجنبية من افغانستان التي وصفها “الرئيس الأمريكي بايدن” بأنها “مقبرة الغزاة “ معتمداً على ما اثبته التاريخ عبر قرون من تاريخ هذا البلد الطويل . ربما يكون اعتراف الرئيس بايدن بهذه الحقيقة التاريخية لرغبته في إيجاد مبرر لهزيمة بلاده في افغانستان بعد عشرون عاماً من احتلال أمريكا وحلفائها لهذا البلد الفقير والحبيس الذي لا يطل على البحار . لقد غادرت امريكا ومعها حلفاؤها ” بريطانيا وفرنسا وحلف الناتو وغيرهم ” أفغانستان بهزيمة مذله بسبب غطرسة قادة هذه الدول الكبرى في الماضي والحاضر وإخفائهم للأهداف الحقيقية لتدخلاتهم في شئون الحكومات والشعوب . لقد سجل هذا الانسحاب الفوضوي نسخة جديدة أخرى من نسخ هزائم هذه الدول في فيتنام وكمبوديا وكوريا وغيرها ، وكأن مشهد الأفغان وهم يتعلقون بسلالم وأجنحة الطائرات الأمريكية ولحظات سقوطهم من الجو يُعَبِرُ عن حقيقة ومفاهيم معاني حقوق الإنسان لدى الدول الغربيه ويعيد الى الأذهان تلك المشاهد المأساويه التي تذكر العالم بسقوط عاصمة فيتنام الجنوبية سايجون في أيدي مقاتلي الفيتكونق بقيادة الجنرال الفيتنامي الشمالي جياب وهروب ألدبلوماسيين الأمريكان بطائرات الهليكوبتر من فوق سطح سفارتهم وترك المتعاونين معهم فريسة للفيتكونق . إن الإنسحاب من مطار كابول يذكر العالم كذلك بسقوط عاصمة كمبوديا بنوم بنه في ايدي ثوار الخمير الحمر بقيادة بول بوت .. وعجز الدول الغازية في ذلك الوقت عن حماية وإنقاذ الحكومات التي صنعتها والمتعاونين معها من تلك الشعوب . الواقع أن الدول الغربيه الكبرى لم تستفيد من تجربة الاتحاد السوفيتي السابق في افغانستان في القرن الماضي وخروج جيشه الأحمر الجرار مهزوماً ذليلاً يلعق دماء جراح هزيمته ، وبالتالي تجرعت امريكا وحلفائها نفس الكأس الذي شرب منه السوفييت في الماضي . إن آثار ما بعد الانسحاب الغربي الفوضوي من افغانستان قد بدأت تظهر على الساحات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأخلاقية والإنسانية والدبلوماسية وغيرها . ففي الساحة السياسية الأمريكية بدأت وسائل الإعلام الأمريكية تنشر تقاريرها التي لا تسر الرئيس بايدن عما حدث خلال احداث مطار كابول ( مطار حامد كرازاي الدولي ) وبدأ أعضاء في الكونقرس الأمريكي يطالبون بمحاكمة الرئيس بايدن ويتهمونه بالضعف وعدم القدرة على ادارة الولايات المتحدة الأمريكية وقيادة النظام العالمي مما أدى الى هبوط شعبيته الى اقل من (٥٠٪ ) . ووفقاً لما كشفته إحصائية لجامعة “براون الأمريكية ” وغيرها ، فإن الولايات المتحدة قد انفقت (2,2 ) تريليون دولار خلال عشرين عاماً التي هي مدة الحرب ، وأوضحت الدراسة التي نقلتها مؤخراً وكالة ” فرانس برس” ، بأن القوات الأفغانية والأمن والشرطة قد فقدت (٦٦) الف من عناصرها في حين كانت خسائر طالبان وحلفائها ( ٥١١٩١ ) عنصر ، بينما ادت الحرب الى مصرع ( ٤٧٢٤٥ ) مدني يضاف الى ذلك (٣٨٤٦ ) من المقاولين الأمريكيين و (٤٤٤) من عمال الإغاثة ، و (٧٢) من الصحفيين وقد أودت الحرب بحياة (٢٤٤٢ ) عسكري امريكي وكذلك ( ١١٤٤ ) من القوات الحليفة للولايات المتحدة في افغانستان . أما الخسائر العسكرية المادية فقد بلغت ارقام مهولة من العربات والآليات والمعدات المدمرة إضافة الى ما استولت عليه طالبان فقد ذكرت التقارير أنها بلغت ( ٧٥) الف قطعة سلاح منوع تركها الجيش الأفغاني وآلاف العربات وناقلات الجنود المدرعه والمدفعية والدبابات و (٢٠٠) طائره منوعه بما فيها طائرات الهليكوبتر وأجهزة رؤيا ليليه ودروع واقيه وأجهزة طبيه وأجهزة بيومتريه تحتوي على بصمات اصابع ومعلومات السيرة الذاتية لأغلب عناصر الشعب الأفغاني وبصمات العيون والبيانات للذين وقفوا مع الأمريكان خلال عشرون عاماً وقد وصلت قيمة هذه المعدات حسب تقارير البنتاجون إلى ما قيمته (٨٥) مليار دولار . لقد اثبتت الصور التي خرجت من مطار كابول بعد مغادرة الجيش الأمريكي لها أن الأمريكان دمروا المئات من الطائرات والآليات والمعدات على ارض المطار قبل مغادرتهم بل وحتى كلابهم المدربه تركوها سجينة في اقفاصها بلا ماء ولا غذاء ، مما جعل الشعب الأمريكي يصاب بالذهول من هذه الإجراءات والقرارات التي تدل على التخبط والفوضى في الانسحاب بسبب الخوف الناتج عن الهزيمة ، وبناء على ذلك انطلقت المطالبات الأمريكيه الشعبية ومن الكونقرس لوزارة الدفاع الأمريكية بالحصر والإبلاغ عن كافة العتاد العسكري وأنواع السلاح الذي تركه الجيش الأمريكي في افغانستان واستلمته طالبان وأسباب ذلك ومحاسبة المسئولين عن ذلك . أما النتائج الإنسانية والأخلاقية والآثار الدبلوماسية المترتبة على هزيمة الدول الغربية الكبرى في افغانستان فقد نتج عنها سقوط الادعاءات الغربية بشأن حقوق الإنسان والقيم والمبادئ التي كانوا يستخدمونها للضغوط على الدول والشعوب الأخرى فقد تركوا الشعب الأفغاني في ظروف إنسانية واجتماعية واقتصادية محزنه وفساد رسمي ومؤسساتي كبير ، وهذا دليل آخر على ماضي هذه الدول السيئ في استغلال الشعوب ومجال حقوق الإنسان خارج اراضيها وهي التي منعت اعتبار حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي تنظيمات ارهابيه ومنعت سيطرة الشرعيه على ميناء الحديده وتركت ايران وروسيا ونظام الأسد والحشد الشعبي وحزب الله والحوثيين يسحقون شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن بالقتل والتهجير وفتحت الأبواب على مصاريعها للتوسع الإيراني في البلاد العربيه . إنها أمريكا التي منعت تزويد السوريين بمضادات مقاومة طيران الأسد والطيران الروسي الذي أزال المدن واحرق الأرض وأباد أهلها .. ومع كل ذلك يتكلمون عن حقوق الإنسان بلا خجل أو ملل في البلدان العربية وغيرها !!! . إن بعض المحللين يرون باستغراب بأن رؤساء الدول الغربية بعد انسحاب جيوشهم المذل من افغانستان يتحدثون بشروط على طالبان وكأنهم هم المنتصرون عسكرياً ، وهذا دليل على غطرستهم وكبريائهم ويزيد من استغراب الدول والشعوب الأخرى بل ويزيد من مساحة صفحاتهم المضحكة والهزيلة التي سجلها التاريخ بعنوان الهزائم الكبرى . أما طالبان وأعوانها فإن بقيت في عصرها الظلامي على طريقتها الأولى في الحكم كما في فترتها الأولى فإنها ستسقط مرة أخرى لا محاله وإلى غير رجعه بعد حرب اهلية طاحنه ابتدأ الغرب بزرع بذورها في وادي بانجشير بقيادة أحمد شاه مسعود الابن ونائب الرئيس السابق اشرف غني المدعو امر الله صالح ، معتمدين على أن الشعب الأفغاني لن يقبل أن تعيشه طالبان في عزلة عن العالم تحت نظام حكم ديني متشدد لا يتفق مع روح الإسلام ومبادئه وشريعته السمحاء وقد يصنف العالم طالبان لا حقاً نظاماً ارهابياً لا يتم التعاون معه او الاعتراف به لأنه يعيش خارج القرن الحادي والعشرين وبضاعته غير قابلة للإستيراد والتسويق .
مشاركة :