غادة السمان تصرخ بالعربية والانكليزية يا دمشق.. وداعا

  • 11/22/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عن منشورات «دارف بابليشورز» في لندن، وبترجمة نانسي روبرتس، صدرت الترجمة الإنكليزية لرواية غادة السّمان الأخيرة «يا دمشق… وداعاً»، والر واية هي الكتاب السابع للسمّان الذي يُترجم الى الإنكليزية. تصرخ غادة «يا دمشق وادعاً»، تفتح حروف روايتها، تبذرها في تراب الواقع والحياة، تغوص عميقاً في الوعي والخيال والأحاسيس، لكنها تعترف بأن لا علاقة لأبطال روايتها بأي أشخاص حقيقيين من الأحياء والأموات. فهي من صنع الخيال الروائي الخرافي فقط لا غير، وأي تشابه مع أحياء أو أموات إنما هو من قبيل المصادفة. يوميات دمشق الماضية والآنية تحضر جلياً في الرواية: «الأمكنة والإنسان والعادات والطقوس. أمكنة الماضي، على اختلافها، أماكن الوطن الدمشقي والأوطان الأخرى، من دمشق إلى بيروت إلى باريس وصولاً إلى أمكنة مجهولة الوجه والوجهة. حشدت التاريخ في هذه الأمكنة، رفعت منسوب كل احتمال، وأعطت الناس، الإنسان حيزاً كبيراً في الوعي الذي يرسم شكل الماضي وتفاصيله الكثيرة. حرّرت بروايتها قيوداً وبشراً… حرّرت المرأة من قيودها، أوقعتها في شرك حبّها. أشعلت الحب في منازل الغياب وفي أروقة الحضور. حرّرت «فضيلة» و»حميدة» وسواهما من النساء… وأخذتهن إلى أبعد من وعيٍ عابر، إلى حيث تنمو الفضيلة والعزّة والعنفوان. حرّكت «وموّلت» العصيان… ضرّتان أعلنتا عصياناً على الخدمات الجنسية. قالت للمرأة، أنتِ الوعي الممكن والمستحيل، ولا شيء يمنع حضورك الفعّال في تاريخ يُكتب بحروف السعادة، لا بحروف التعاسة. أطلقت العنان لضمير الغائب الذي يكتب التمرد بوضوح ورؤية وصفاء. المرأة المتمردة هي أساس الوعي الذي يصنع الحياة، الواقع على مفترقات جمّة: «من يطيق النساء المتمردات؟ لا بُدّ من إحراقهن كالساحرات. لن يسمح أحد بانزياح امرأة عن الخط الذي رسمه الذكور لها منذ أقدم العصور». (ص93). رواية دمشقية بامتياز، ورواية بيروتية بالمقدار نفسه، رواية الأمكنة القائمة والغائبة، وأكثر الأمكنة التي وطأتها هي أمكنة الروح والعقل، أمكنة الوعي المقدس الذي لا يمكن تفاصيله أن تخرج من أنفاس الحاضر والمستقبل. تمتد الأمكنة، من مسرح الجغرافيا مروراً بوعي العقل وصولاً إلى حفيف الروح. أخذت الرواية الأحداث القائمة، وإن بلغة الخيال والافتراض وأسقطتها على وعيٍ منطقي. وصفت يوميات دمشق التي ما زالت تجري في عروقها، عروق الكاتبة البعيدة جغرافياً فقط. فتحت سيرة الأحداث التي تهزّ المنطقة، قولبتها داخل إطار روائي، وفردت لها مسالك السّرد الواسع والخاطف، شبكت الأشياء والأسماء والعادات والوقائع، جمعتها وشدّت عليها ثم فرّقتها، لتبرز كل حالة على وعيها، فتقمصت شخصيات وابتكرت أخرى. لعبت دور «زين» و»غزوان» اللاجئ الفلسطيني القادم من عكا. أدوار متنوعة وشخصيات متعددة، تتناوب على تفسيرٍ (روائي) للمعنى والحضور. تفسير الماضي بما يعكس حقيقته الغامضة والدّفينة، ويبقى الحب هو سيد اللحظة التي لم تكتمل… شخصيات الحب ونقيضها، تفاصيل السعادة «المثقوبة»، وقائع العاطفة التي لا تختمر أو تكتمل في ظل حضور للتخلّف والجهل. أرادت الرواية أن تُجاهر بأدق التفاصيل التي تعكس الواقع، حتى الواقع المزري، فربما في هذا السّرد لمجريات الماضي التعيس ما يرفع من وتيرة الخيال ويُحرّك الذاكرة ويحرّضها على وعيٍ جديد، على حرية ممكنة، ليست مستحيلة. 1163910379.0.xوالسرد هو الرواية بتفاصيلٍ غير مملّة أبداً، تفاصيل حضور وغياب، تفاصيل عادات تحدث في الصباحات الدمشقية، تفاصيل ومشاهد بمجرد ذكرها وشرحها، تنكشف أكثر التفاصيل الدفينة في أروقة الوعي القائمة في الذات والروح والعين المغمضة… «رفعت فضيلة رأسها فشاهدت الجارات على السطوح المجاورة في زقاق الياسمين واقفات كهوائي التلفزيونات، الوافد الجديد في مدينتها، وأدركت أن «الاستقبال» في بيت إحدى الجارات لن يدور على حكاية طلاق زين بل على حكاية «تسبيق» الموعد الذي أراده مطاع لليلة الدّخلة بيوم وليلة». (ص92). الحب والحرية والتمرد والعنفوان والسعادة والموت، وكذلك البساطة والتعاسة والعادات الغريبة والصعبة، حضرت كلها في يوميات «فضيلة»، «غفران» و»جهينة» وسواها من الشخصيات التي تناوبت على رسم المشهد – المشاهد الروائية. ولم يكن لهذا التشابك بين الأحداث أكثر من رؤية ثاقبة في الوعي والمعنى المفتوح. فقد ارتسمت وقائع الماضي، بتفاصيل جمّة، ولكلِ تفصيلٍ حكاية تندرج في تفسيرٍ أعمق. كأن الرواية هي محاولة لتثبيت وقائع الماضي الذي عبر، ليكون بمثابة حضورٍ لا يمكن القفز فوقه، وبهذا تكون الرواية قد جاهرت عالياً بحقيقة كانت عماد الماضي، حقيقة الإنسان الذي أذكى نار الوعي وجعلها تحرق أصول وزن واضحة

مشاركة :