عزيزي القارئ ذكرنا سلفا قول سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن سورة الفاتحة وقوله (إن الله تعالى جمع القرآن في سورة الفاتحة وجمع الفاتحة في آية البسملة وجعل سبحانه وتعالى سرها في حرف الباء). وقد تحدثنا في عدة مقالات متتالية عن نقطة الباء وقلنا إنها تشير إلى الحقيقة المحمدية أو النور الأسبق الذي بدأ به الحق سبحانه عالم الخلق.. ونتحدث في هذا المقال والمقالات التالية بمشيئة الله تعالى عن سورة الفاتحة إجمالا وعن قول الإمام علي إنها الجامعة لسور القرآن الكريم فنقول والله المستعان.. إن القرآن الكريم كتاب الله تعالى وخطابه إلى خلقة وهو كتاب جامع لكل ما يتعلق بالألوهية والتي منها الدلالات القاطعة على وجود الإله الخالق ووحدانيته وتفرده بالخلق وقيامه تعالى على ملكه وأنه خالق الخلق وواجد الوجود والمقدر لكل مقدراتهم والقائم عليها والإشارة إلى طلاقة القدرة وعظيم الإبداع وعلمه عز وجل القديم المحيط السابق لجميع الخلق. هذا وفي قوله تعالى في فاتحة السورة (الحمد لله) إشارة للإلوهية وأنه سبحانه وتعالى هو وحده المستحق للحمد فهو تعالى المتفضل على الخلق بنعمة الخلق والأيجاء منه النعم والإمداد، وهو مقدر الموت والحياة وبيده سبحانه مصائر العباد.وفي الآية الثانية من السورة وهو قوله تعالى (رب العالمين) إشارة إلى ربوبيته عز جل وهي الحضرة القائمة على أمر وشئون الخلق والعباد وهي القائمة والمهيمنة والمحيطة بعوالم الخلق والمدبرة لجميع أمورهم ومعايشهم، وهي الحضرة الجامعة لأسمائه تعالى الحسنى المشار إليها في قوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها). والمنطوي فيها صفاته العليا المشار إليها في قوله سبحانه (سبحان ربك رب العزة عما يصفون). وحضرة الربوبية هي الجامعة للأسماء والصفات المتجلي بها سبحانه وتعالى على جميع عوالم الخلق وهي الفعالة في الكون والوجود والحياة. ومن حيثيتها يقبل العباد على الخالق عز وجل فبها يتعبد سبحانه، وبها يذكر ويشكر ويحمد، ولها تخشع قلوب عباد الله المؤمنين وتذعن بالعبودية.. وحضرة الربوبية كما ذكرنا هي الحضرة الجامعة لحضرتي الأسماء الحسنى والصفات العليا. هذا وفيما يتعلق بحضرة الأسماء نقول هي الحضرة لصفات الكمال المطلق والجمال المطلق والجلال المطلق وإلى الرحمة والرحيمية المطلقة لله تعالى وإلى القدرة الإلهية المطلقة التي لا يعجزها شيء وإلى علمه تعالى الأزلي الإحاطي السابق لوجود الخلق وإلى قيموميته عز وجل وهيمنته على جميع عوالم الخلق.هذا وقد يقصر الفهم لدى البعض أو يظن أن الأسماء الحسنى قاصرة على العدد الذي ذكره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله في الحديث الذي قال فيه (إن لله تسع وتسعون إسما من أحصاها دخل الجنة)، بل إن لله تعالى أسماء حسنى لا أول لها ولا آخر والدليل على ذلك قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله في دعاءه (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك...)، إذا هناك أسماء لله ذكرها سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وهناك أسماء خص الله تعالى بها أهل محبته وولايته قاصرة عليهم، وهناك أسماء مكنونة استأثر الله تعالى بها وأعتقد أن الله تعالى قد خص وبها وفرد بها خليله الأكرم وحبيبه الأعظم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله، والدلالة على ذلك إشارته صلى الله عليه وسلم إليها في الدعاء والمنطق يسلم أنه لا إشارة إلى مجهول وإنما الإشارة عادة ما تكون لمعلوم.. هذا بالنسبة للأسماء الحسنى. أما بالنسبة إلى صفات الله العليا المبطونة في الأسماء فهي جوهر الأسماء وفحواها ومكن السر والعطاء والتجلي والأسماء تشير إليها وهي صفات تحمل من معاني القدرة والعظمة والإبداع ما لا تطيقه العقول وتقف عنده الفهوم وما يتجاوز النعت والوصف فهي خارجة عن كل وصف ونعت وكيف. وقد أشار بعض العارفين بالله تعالى إلى أن هناك صفات جمالية تتمثل في الرحمة والرأفة واللطف والعفو والحلم والعطاء والكرم والجود والإحسان وقبوله تعالى التوبة من عباده.. وهناك صفات كمالية أي صفات كمال مطلق يليق بذاته تعالى غير معلوم بالكلية للخلق. وهناك صفات جلالية منها الكبرياء والعظمة والصمدية والوحدانية المنسوبة لله تعالي والبطش والجبروت والانتقام والإذلال لأهل الكفر والظلمة والجبارين والمتكبرين من العباد.. وصفات قيمومية أحاط بها وهيمن سبحانه وتعالى على جميع عوالم الخلق.. هذا ولا تفارق صفة الرحمة الإلهية أي صفة منسبوبة إليه جل جلاله.. ونستكمل في المقالات التالية..
مشاركة :