شكلت ما يطلق عليه محليا "المطاعم الالكترونية" طوق نجاة للأرامل في محافظة ديالى شرقي العراق في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد بسبب جائحة كورونا. ويقصد بالمطاعم الألكترونية، صنع أكلات عراقية شعبية جاهزة في المنزل وعرضها على منصات التواصل الاجتماعي لجذب الزبائن وشرائها من خلال التوصيل المباشر مقابل مبالغ مالية ليست عالية. وتشكل الأرامل نسبة ليست قليلة في ديالى خاصة وأن أعمال العنف تسببت في مقتل الآلاف من المدنيين ومنتسبي القوات الأمنية بعد 2003 بسبب الجماعات المتطرفة على اختلاف عناوينها، لكن المؤلم أن نسبة تصل لـ 60 بالمائة منهن بدون معيل، وأن توفرت لهن مصادر رزق فهي لا تتلائم مع الوضع الاقتصادي العام خاصة وأن أغلبهن ينفقن على أيتام لذا لجأت بعضهن إلى ما يسمى بالمطاعم الألكترونية كفرص عمل وللخلاص من الفقر. وقالت أم محمود وهي أرملة فقدت زوجها قبل 13 سنة بانفجار سيارة مفخخة في بعقوبة لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن" زوجها قتل وترك سبعة أطفال صغار"، لافتة إلى أن الدولة تصرف لها راتبا كونها من ضحايا الإرهاب إلا انه لا يكفي في ظل الحاجة المتزايدة للانفاق لتأمين مستلزمات الحياة اليومية. وأضافت "اعتمدت فكرة طرأت لي بالصدفة تتعلق بصنع أكلات عراقية معروفة وبيعها جاهزة للعوائل من خلال الترويج على مواقع التواصل الاجتماعي" مبينة أن البداية كانت مخيبة للامال وضعيفة لكن مع الوقت بدأت الطلبات تتدفق خاصة من الأقارب والمعارف ثم توسع العمل ليصبح لديها أشبه بمطعم صغير داخل منزلها. بدورها ذكرت زينت حسن، وهي أرملة، وأم لثلاثة أطفال إنها بدأت بصنع الآكلات العراقية الجاهزة قبل عامين تقريبا بعدما شاهدت تجارب في محافظات أخرى ووجدت تشجيع من ابنتها الكبرى التي تجيد إدارة منصة على الفيس بوك لبيع الآكلات الجاهزة". وأضافت زينب حسن، أن" المطاعم الالكترونية لبيع الآكلات العراقية الشعبية الجاهزة وخاصة (الدولمة والبرياني والدجاج المشوي) وغيره لم تكن مألوفة لكن الحاجة للعمل لمواجهة ظروف الحياة القاسية هي التي دفعتها لهذا المضمار". إلى ذلك قال صلاح مهدي مدير مكتب حقوق الإنسان في ديالى إن" المحافظة فقدت آلاف الارواح في دوامة العنف، وعدد الأرمل مرتفع جدا بعضهن لا يوجد لديهن أي معيل لذا اضطررن للعمل في مهن مختلفة للانفاق على أطفالهن اليتامى". فيما أشارت زهرة العبيدي ناشطة نسوية إلى أن عدد الأرامل في ديالى بعد عام 2003 يصل لأكثر من 20 ألف أرملة بينهم نحو 35 بالمائة بدون معيل، مبينة أن ظهور المطاعم الألكترونية حالة فريدة تؤكد عزم النساء البحث عن مصادر رزق غير تقليدية من خلال استغلال نفوذ منصات التواصل الاجتماعي وانتشارها الواسع للترويح. وقالت العبيدي إن" المطاعم الألكترونية هي واحدة من مهن أخرى برزت في السنوات الأخيرة من خلال تحويل المنصات إلى واجهة إعلانية للترويج لمهن مبتكرة سواء خاصة بمبيعات نسائية أو الترويج لحلويات أو أعمال يدوية ومنزلية". من جانبه قال إبراهيم صبري، متقاعد وهو زبون دائم للمطاعم الألكترونية "الآكلات العراقية التي تصنع في المنازل تتميز بمذاقها الجيد على خلاف المطاعم التقليدية"،موضحا أنه يلجأ اليها بين فترة وأخرى، داعيا الحكومة إلى دعم هذه الظاهرة الجيدة من خلال قروض ميسرة لخلق المزيد من فرص العمل خاصة للأرامل. وأضاف صبري أن" الأسعار مناسبة في هذه المطاعم، وربما بعد سنين سنرى المطاعم الألكترونية تنافس المطاعم التقليدية لأن طريقتها في كسب الزبائن جيدة، كما أن لها بعد إنساني خاصة وأن من تديره أرامل يعانين من ضنك العيش، وما دفعهن للعمل هو لمواجهة الفقر والعوز". وتقدر الأوساط الحكومية عدد الأرامل في محافظة ديالى بعد عام 2003 وحتى الأن بأكثر من 20 الف أرملة نسبة ليست قليلة منهن بدون معيل ولديهن أيتام. على صعيد متصل قال مضر الكروي النائب في البرلمان عن ديالى إن" معدلات الفقر في المحافظة عالية جدا وتصل إلى 40 بالمائة بينها 7 بالمائة في حالة فقر مدقع، والنسبة في تصاعد مستمر خاصة مع الأزمات المالية والاقتصادية الأخيرة في البلاد". وتابع أن" نسبة الأرامل في ديالى مرتفعة جدا خاصة وأن لهيب الانتكاسات الأمنية التهمت أرواح الآلاف بعد 2003 "، مؤكدا ضرورة أن يكون للحكومة برنامج خاصة لدعم الأرامل اللائي هن تحت خط الفقر ولديهن أطفال من خلال قروض مالية لفتح مهن وفرص عمل تكون بوابة لهن في تامين مصادر رزقهن.
مشاركة :