سنجار (العراق) – حمل الاتّفاق المبرم مؤخّرا بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق بشأن الوضع الأمني والإداري في قضاء سنجار معقل الإيزيديين غربي الموصل مركز محافظة نينوى، بوادر حلول للمعضلات التي خلّفتها حقبة سيطرة تنظيم داعش على القضاء والحرب المعقّدة التي تمّ خوضها بمشاركة عدّة أطراف لاستعادته من التنظيم، إلاّ أنه بمرور الزمن تبين أن تلك الحلول سطحية، وأنّها لا تخمد جمر الصراع في سنجار بل تبقي عليه متّقدا تحت الرماد. وورد في تقرير حديث أعدّته سامية كلاّب لأسوشيتد برس، أنّه تمّ إنزال أعلام الميليشيات المسلحة الواحدة تلو الأخرى في بلدة سنجار التي تعرضت لوحشية تنظيم داعش، واستبدلت كل الأعلام التابعة لكتائب مختلفة بعلم واحد هو علم جمهورية العراق. وكان رفع العلم الوطني في سنجار التي تُعدّ موطن الأقلية الإيزيدية، نتيجة لصفقة استعادت بموجبها الحكومة الفيدرالية السيطرة على المنطقة من شبكة من القوات شبه العسكرية المتداخلة التي بثت الفوضى فيها منذ تحرّرها من داعش قبل نحو ثلاث سنوات. وانتشر الجيش العراقي خلال الأسابيع الماضية في سنجار للمرة الأولى منذ سنة 2003. ووقف الملازم عماد حسن على مرتفع صخري يطل على بلدة سنجار القديمة المهجورة منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وعلى الجانب الآخر من الجبل، بقيت المنطقة تابعة لفرع محلي من الجماعة الكردية المحظورة المعروفة باسم حزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابيا من قبل تركيا والملاحق من قبل جيشها. وقال “لدينا مشاكل معهم. فقد وافق قادتهم على الانسحاب، لكن بعض مقاتليهم لم يفعلوا ذلك”. وكان إبرام الصفقة صعبا ويجلب تطبيقها على أرض الواقع مشاكل جديدة. ويقول المنتقدون للصفقة إن الأمر سيستغرق أكثر من مجرد تغيير الأعلام لترسيخ سيادة القانون في سنجار. ولا يثق الإيزيديون، الذين أصيبوا بصدمة من القتل الجماعي والاستعباد الذي مارسه عليهم تنظيم داعش، في السلطات العراقية التي يقولون إنها تخلت عنهم أمام وحشية المسلحين. ويخشون من سيطرة الميليشيات عليهم، بما في ذلك الفصائل الشيعية المدعومة من إيران، لضعف الحكومة المركزية. فقد تعددت الفصائل المسلّحة التي كانت تسيطر على سنجار خلال السنوات الثلاث الماضية. ومن بينها مقاتلو البيشمركة جيش منطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق، بالإضافة إلى حزب العمال الكردستاني وفريقه المكون من مقاتلين إيزيديين محليين، ويُطلق عليهم اسم وحدات مقاومة سنجار، بالإضافة إلى وحدات إيزيدية تابعة لقوات الحشد الشعبي، وهي مجموعة مختلطة من القوات شبه العسكرية المدعومة من الدولة العراقية والتي أنشِئت في 2014 لمحاربة داعش. وتبشّر بعض الإشارات بانتعاش سنجار. فقد امتلأ وسط المدينة بالمتسوقين جنبا إلى جنب دبابات الجيش العراقي. وبدأ أكثر من 200 ألف إيزيدي نزحوا بسبب هجوم داعش في 2014 في العودة إلى ديارهم. وقد عاد منهم حوالي 21600 بين يونيو وسبتمبر الماضيين. لكن جل السكان يعانون من صدمة لم يتجاوزوها بعد. إذ يتذكر الجميع هجوم داعش الذي قتل فيه الآباء والأبناء واستُعبد الآلاف من النساء وأرسل الناجون إلى جبل سنجار. وفي سوق سنجار، قال المزارع زيدان خَـلَف إنّه فقد 18 من أقاربه أثناء فترة حكم داعش. وقال “لقد فقدنا كرامتنا”. وتتساءل فارزو ماتو سابو، البالغة من العمر 86 عاما، وهي من قرية تل بنات ذات الأغلبية الإيزيدية بجنوب سنجار، عن معنى الاتّفاق المبرم حديثا، وتقول إنّ مسلحي داعش أخذوها هي وبناتها الثلاث ثم أنقذها المهرّبون في ما بعد. ولا يزال أحد عشر من أفراد أسرتها في عداد المفقودين. وتضيف باكية “لقد فقدت الجميع. فهل ستعيدهم الصفقة؟”. وتجاور قرية خيلو العربية السنية تل بنات. وقال الشيخ نايف إبراهيم “اعتدنا أن نكون مثل الإخوة، لكن الإيزيديين يتجنبوننا الآن. لا يمكنهم التمييز بين المدنيين وعناصر داعش”. ويتهم العديد من الإيزيديين العربَ السنّة المحليين بدعم داعش. ومنذ سقوط التنظيم تصادم العرب السنة مع الميليشيات الإيزيدية وقُتل عدد من هؤلاء العرب. وفي نفس الوقت، يرفض العديد من الإيزيديين البيشمركة الكردية، الذين يعتبرون منطقة سنجار جزءا من منطقتهم. وقال المزارع خلف “سيطرت علينا سبعة أعلام، ولا يمكنك أن تعرف أبدا من له سلطة عليك في أي يوم”. ويقول الخبير في الشؤون العراقية الزميل في مؤسسة القرن سجاد جياد إن الأمم المتحدة ركزت على عودة النازحين الإيزيديين، لكن هذا ليس المعيار الوحيد للنجاح. إذ أن الأمر يتعلق بالخدمات والمدارس والأمن والقدرة على التنقل دون أن يتعرض المرء لتهديد مجموعات مختلفة. واعتبر هذا اختبارا لفعالية الحكم بعد الحرب والتحرير، متسائلا “هل أن الحكومة مستعدة بما يكفي للسماح بعودة الحياة الطبيعية؟”. ويقضي اتّفاق سنجار بأن يؤمّن الجيش العراقي المنطقة في الوقت الحالي، مع مغادرة الفصائل الأخرى مواقعها، على الرغم من بقاء العديد منها في منطقة سنجار. وبموجب الخطة، من المقرر أن تعين السلطة الكردية رئيس بلدية، وهو احتمال يعارضه العديد من الإيزيديين. وستتولى الشرطة المحلية في نهاية المطاف مسؤولية الأمن، وستعمل تحت إشراف وكالة المخابرات الحكومية ومستشار الأمن القومي. وتدعو الخطة إلى تعيين 2500 عنصر أمن محلي جدد. ويقول معظم الإيزيديين إنهم غاضبون لأن الحكومة لم تستشر المجتمع في وضع الخطة. ويضيف رئيس بلدية سنجار، فهد حامد “نحن من ضحينا وفقدنا أبناءنا. كان ينبغي أن نكون المحاورين الرئيسيين. ونريد قوة من منطقتنا. فنحن لا نثق بأحد”. وتبقى القوة التي تتمتع بثقة السكان المحليين هي وحدات مقاومة سنجار التي تسعى الخطة إلى إبعادها. ففي حين انسحبت القوات الأخرى أمام هجوم داعش في 2014، يتذكر الكثيرون أن وحدات مقاومة سنجار هي التي قاتلت لتأمين طريق آمن للمدنيين. وقال شيركو خلف، وهو مختار قرية إيزيدية “كانوا الوحيدين الذين بقوا لحمايتنا”. وعلى الرغم من احتجاجات السكان المحليين، أدت المفاوضات إلى سحب وحدات مقاومة سنجار من وسط المدينة. ويقول مقاتلو وحدات مقاومة سنجار إنهم يتوقعون أن يتم تصنيفهم كوحدة ضمن قوات الحشد الشعبي، مما يمنحهم الشرعية السياسية التي هم بأمسّ الحاجة إليها. وتم بالفعل إدراج جزء من المقاتلين الذين يتراوح عددهم بين 2500 و3500 فرد ضمن قوات الحشد. ونظريا، تدعو الخطة قوات الحشد الشعبي إلى إنهاء وجودها في المدينة. وتدعم القوات سنجار وتؤمّنها. لكن خان علي قائد كتائب وحدة إيزيدية تابعة للحشد قال “ستبقى قوات الحشد الشعبي إلى الأبد، نحن ملوك على رؤوس قادة قوات الأمن في سنجار”. وأدى هذا إلى انقسام الإيزيديين، حيث يريد البعض إدراج فصائل الحشد الشعبي الإيزيدية في قوات الأمن. ويخشى آخرون من أنها ستضع سنجار تحت تأثير الفصائل العربية الشيعية المقربة من إيران. وقال أحد القادة الإيزيديين البارزين، طالبا عدم ذكر اسمه “إذا لم يهتم المجتمع الدولي والحكومة المركزية بسنجار، فإن قوات الحشد الشعبي ستتولى السيطرة.. هذا واضح”.
مشاركة :