«الكدادون» طيور الأسفلت.. بروق التيه | عبدالله صالح القرني

  • 9/2/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

قُدّر لي قبل حوالى أربع سنين، حين كنتُ أعملُ بإدارة فرع وزارة الزراعة بجدة، أن أتعامل مع عالم منسي هو عالم الكدادة، كنتُ أسكن جوار عملي بجنوب جدة أعزب، وأسرتي بالجنوب، ولا أملك سيارة، كانت ظروفي قاسية، أسافر كل أسبوع ١٠٠٠ كم مع الكدادة. الكداد هذا شاب يستأجر سيارة، أو يملكها، لا مؤهل لديه، أو ربما مفصول، أو لديه منافذ الرزق سُدّت، يضطر أن يخالف ليس ليُعرف بل كي لا يُعرف، ويحمّل الركاب مقابل أجرة عبر الطرق الطويلة، موقفهم الذي كنتُ أركب منه بكيلو ١٠ موقف الجنوب لجازان وأبها والساحل وتهامة، وجوه ملثمة بنظارات سوداء رخيصة، سيارات صغيرة، يتلقفون الركاب المسافرين، إذا تحرّكوا على الطريق تجدهم مهرة في قيادة خاطفة مجنونة، متعبون من السهر، ومن سعال سجائرهم الرخيصة، يتحدّثون في كل شيء، أغانيهم صاخبة ومسرعة وقديمة، أنت بين الركاب في رحلة موت مجانية بين الغبار والإبل، الكدادون يهابون المرور إذا فرّقهم من موقف تحميل الركاب، ولا يهابون «ساهر»، لأنهم لن يسددوه! الكداد لا تعقد مع صحبه، قد يطعنك ويمضي مجبرًا على أن يحمل الناس، ولا يصدق معهم. ذات خيبة وأنا مسافر من الجنوب إلى جدة، ركبت مع كداد الساعة العاشرة من مساء يوم جمعة، وصلنا الرابعة فجرًا، كان الكداد يشكو لي بؤسه، وكنتُ أتمزّق عليه، أصررت عليه أن ينام معي بغرفتي جوار عملي، وأنا ظللتُ أقرأ حتى جاء الصباح، تعاطفتُ معه لأنه لا يملك أجرة فندق، ولابدّ أن يحمّل ركاب الإياب من ظهر اليوم التالي، وافق ونام، ذهبت للدوام بعد الظهر، ابتعتُ غداءً فاخرًا «أرزًا ولحمًا»، ذهبتُ فوجدتُ باب الغرفة مفتوحًا، وليس بها لا مكيف، ولا تلفزيون، ولا ثلاجة، جرّد الكداد كل شيء ومضى، من أين لي التعويض؟ لم أذق الطعام؟ ترك لي كتبي بثلاثة كراتين، لو أخذها أخذ كل شيء منّي بتلك الغرفة الموحشة! ربنا يسامحه، أستاهل! قررتُ أن أصمت بعدها مع كل كداد حتى اشتريت سيارة!! Twitter:@9abdullah1418 Asalgrni@gmail.com

مشاركة :