قبل سنوات التقيت بأحد الأصدقاء بعد فترة انقطاع بيننا ليست بالقصيرة, كنت سعيداً برؤيته وكان هو يعبّر لي بالشعور نفسه, أخذتنا الأسئلة المتداولة عادة بين أيّ صديقين التقيا بعد طول فراق, (كيف حالك؟ ما جديدك؟ أين سكنت؟ كم عدد أسرتك؟ هل أنت مرتاح في وظيفتك؟ …الخ), وفي أثناء تبادل الأسئلة وإجاباتها بيني وبين صديقي سألته سؤالاً كان – في ما بدا لي – كالصاعقة بين عينيه, ارتجفت أطرافه وانتفخت أوداجه وبرزت عروق جبهته وأصبح غير مستقر في مكانه ثم بدأ يرعد ويزبد ويسب ويشتم وأسمعني من الكلمات المؤذية ما يجرح قلبي منه وتحمل نفسي عليه ثم غادرني وغادر المكان على هيئته تلك. أما أنا فوقفت مذهولاً مما أسمع وأرى, لم أتفوّه بكلمة واحدة لا لعجزي عن الرد أو خوفي من صاحبي هذا, أبداً, بل لأن عنصر المفاجأة جمّد أطرافي من أن أقول كلمة واحدة أو أتصرف بفعل واحد – وأحمد الله كثيراً على ذلك – وإلّا كانت العاقبة سيئة علينا جميعاً, وكنت أسأل نفسي حينها ماذا قلت للرجل من كلام جعله ينقلب عليّ فجأة؟ لعلي جرحته دون أن أشعر؟ هل في ما سألته ما يؤذيه؟ لا أدري .. فعلاً لا أدري!! وأنا في حالة الذهول تلك تذكرت آخر سؤال سألته إيّاه والذي ثار صاحبي غضباً من بعده: (متى تقاعدك من العمل؟؟!!), تخيّل هذا هو سؤالي!! سؤال عادي جدّاً, متداول بين الناس بشكل كبير, سألته إيّاه بكل عفوية, ليس لي قصد الإيذاء أو التجريح, لكن هذا ما حصل بيني وبين صاحبي بسبب هذا السؤال. ظهر لي أن أمر التقاعد والحديث عنه بالنسبة لصاحبي كارثة الكوارث ومصيبة المصائب فهو لا يريد الحديث عنه مطلقاً ظنّاً منه أنه نهاية الحياة وآخر الأيام وهو شعور غيره من الناس كثير, ومن الناس مثل صاحبي هذا لكن في غير أمر التقاعد, كالسمين مثلاً لا يريد أن تنصحه ليخفف وزنه, وكبعض العاطلين لا يريدون أن تشرح لهم عن قيمة الوقت, وكالشاحب وجه من هموم دنياه لا يرغب أن تسأله عن الحزن الذي يغشاه, وهكذا. حينها أدركتُ أنّ من الأسئلة ما هو مزعج لغيري وإن كان عاديّاً بالنسبة لي, وأنّ من الأصدقاء من لا يحملني على الظن الحسن بسبب سؤال طبيعيّ عابر, وأدركتُ أيضاً أنّ من الواجب عليّ أن أتعرّف على أنماط الناس المختلفة خاصة أولئك الذين تربطني بهم علاقة قبل أن أحادثهم أو أسألهم حتى أجيد التعامل معهم, وأدركت حقيقة مهمّة أيضاً وهي أن أتمهّل قبل أن أسأل. نعم .. عليّ أن أتمهّل قبل أن أسأل, وكيف أسأل؟ ولماذا أسأل؟ ومتى أسأل؟ ومن أسأل؟, حتى وإن كنت أدّعي الواقعية والعفوية مع الجميع إلا أن المواقف تختلف والأشخاص يتبدّلون والمشاعر تتقلّب والناس أسرى لهموم دنياهم وظروف حياتهم. الثلاثاء 20/6/1442هـ
مشاركة :