مقال: اترك قلبي وشأنه بقلم / حسين بن سعيد الحسنية

  • 2/15/2021
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

في كثير من المجالس التي نغشاها يقابلك نوع من الناس غريب, نوع لا همّ له إلا تأليب القلوب بعضها على بعض, يتقن هذا النوع إلى حدٍّ بعيد كيف يجعل قلوب سامعيه تحمل الكراهية والحقد على إنسان آخر لا يوجد بينه وبينهم -أيّ سامعيه- أيّ علاقة, فقط لأنّه يكرهه ويحقد عليه ويريد أن يكرههُ سامعوه ويحقدوا عليه. في أحد تلك المجالس دخل أحد ممثلي هذا النوع الغريب من الناس وقلبه مليء بالشر كلّه على صاحب له قديم بينهما سنوات طويلة من الأخوّة والعشرة تجعل كل واحد منهما يحفظ لصاحبه الودّ والاحترام حتى وإن شاب علاقتهما أيّ شائبة, فيبدأ بطرح موضوع عام يرتبط في نهاية الأمر بصاحبه القديم الغائب, مستخدماً في حديثه أساليب المقاربة والمجانبة والمراوغة حتى يأتي على ذكر اسم صاحبه وقد يفصح عن عمره ووظيفته وحالته الاجتماعية وبعض اهتماماته وسيرته كل ذلك حتى يعرف الجميع جيّداً من هو, مبالغةً منه في التشهير به, فإذا ما أخذ الجميع الفكرة الكاملة عن ذلك الإنسان الغائب بدأ صاحبنُا في التعريض بصاحبه وبأخلاقه وتعاملاته قدحاً وتنقيصاً واستهزاءً وسخرية, حتى يظن السامع بصدق مقالته في صاحبه الغائب ويمتلئ قلبه – أيّ السامع- حقداً وغيظاً وكراهية على ذلك الغائب رغم عدم علاقته ومعرفته به. وقد سمعت من أحد أصدقائي قبل أيّام أنّه كره شخصاً لا يعرفه وأنّه طالما نَقِمَ عليه وتمنّى له الشر, فسألته.. كلُّ هذه المشاعر السلبية تجاه الرجل وأنت لا تعرفه؟! قال: نعم, لقد تحدّث عنه فلانٌ أمامي بكل سوء فكرهته تلقائياَ ودون أن أتثبّت من كلامه عطفاً على أنّني فعلاً لا أعرف ذلك الشخص مطلقاً, فتعجّبت من تلك الألسنة التي تُجيد بكلامها وإن كان باطلاً التأثير في بعض القلوب الضعيفة والمتذبذبة, وعجبتُ ثانيةً من تلك الأسماع والقلوب التي يسْهُل الاستحواذ عليها والسيطرة على ما فيها بكلام لا حقّ فيه ولا دليل عليه. ومن وصايا الصالحين في هذا الباب حينما يأتيه من يلوك لسانه في أعراض الآخرين قوله: ” اترك قلبي وشأنه “, وصدق, فما أجمل أن نعزّز مواقفنا الإيجابية في ما بيننا البين, فلا نذكر بعضنا البعض إلا بخير, ولا نتحدث عن فلان بشيء إلا ببرهان, ولا نذكر سيئة أحد لغيره إلا لمصلحة ظاهرة, وتلك هي أخلاق الكبار. وحينما تتأمل في كثير من العلاقات الجافّة أو المضطربة بين الأخوة أو الأصدقاء أو حتى بين الناس بشكل عام تجد أنّ من أوّل وأهمّ أسبابها – السماعُ بأذن واحدة – أيّ من طرف واحد دون الآخر, وهذا ما جعل الأحكام جائرة في ما بينهم البين والعلاقات مقطوعة أو متراخية والقلوب مريضة وحاقدة. وحتى لا يقع قلب أحدنا في كراهية أحد أو بغضه دونما سبب يُذكر فإنّ عليه أن يراجع قلبه بالتطهير الدائم والتزكية المستمرة والعزم على أن يكون قلبه طاهراً من كل حقد وكراهية لأحد من النّاس, وعليه كذلك أن يكون قويّ الحسّ ثابت الموقف عند سماع أيّ انتقاص أو إقصاء أو تجريح من أحدٍ لأحدٍ آخر فلا ينجرف مع اسقاطات الحديث الخادشة أو هوامش الأخبار الجارحة أو تبعيّات الأحداث المزيّفة, وعليه كذلك أن لا يُسْلِمَ سمعه ولا شيئاً من جوارحه لمنتقصيّ الناس وحاملي لواء التعدّي والإيذاء على الذوات والأعراض والمجتمعات, وعليه – أخيراً – أن يقف موقف المدافع عن الجميع, فيُسكت كل صاحب غيبة واستهزاء وتنقيص للآخرين دفاعاً عنه من الإثم والعقوبة المترتب عليها, ولا يرضى أن يؤذى أحداً أمامه بأيّ كلمة أو أسلوب دفاعاً عن عرضه وشرفه, وليعلن للجميع نقاء مقصده وصدق تعامله وحسن معاشرته دفاعاً عن كل مجلس يدخله أو مجمع يغشاه أو منتدىً يشارك فيه.

مشاركة :