الانتخابات البلدية وبقدر ما تميزت بمشاركة شعبية جيدة بقدر ما وضعت كثيراً من علامات الاستفهام على مستوى الإدراك العام لمعايير الانتخاب، وكذلك معايير المرشح لعضوية المجلس، في هذا السياق بدت نتائج فترات العضوية لنسبة من المرشحين مخيبة للآمال، وهذا ما ولَّد شيئاً من الإحباط في نفوس بعضهم بحيث جعلهم يتساءلون عن جدوى هذه الانتخابات والفرق الذي أحدثته عما مضى. الحديث عن الانتخابات هو حديث له جانبان: المرشحون والمنتخِبون، وكلاهما بنفس الأهمية تقريباً، فالمرشَّح ينبغي له أن يعي قبل كل شيء صلاحياته المنصوص عليها في القانون بحيث لا يقدِّم سلسلة من الوعود للناس في حملته الانتخابية، ومن ثم يتفرغ للوم إدارة البلدية لأنها رفضت توصياته. التوصية حينما تكون مخالفة للقانون تكون نتيجتها الطبيعية هي الرفض، وكذلك على أفراد المجتمع إدراك تفاصيل الصلاحيات الممنوحة لأعضاء المجلس بحيث لا تنطلي عليهم الخدع، فلا يمنحوا أصواتهم لـمَنْ يسوِّق لنفسه بغير ما يستطيع تحقيقه، كما أن المرشح ينبغي عليه أن يعي أن معرفة المشكلات البلدية الموجودة لا تجعله قادراً على حلها بالضرورة، فطريقة عرض المشكلة على المسؤولين، ودعمها بالأدلة والتقارير والإحصاءات المطلوبة، ومن ثم استخدام اللغة القادرة على الإقناع، كلها أمور مهمة ينبغي أن تكون في المرشح. وأن يعرف شخص أننا نحتاج إلى حدائق، أو ملاعب في الأحياء، أو تعبيد شوارع معيَّنة، وغير ذلك، هو أمر سهل، ولكن عليه أن يعي كيف يخاطب المسؤول، وكيف يدعم حديثه بالأدلة والتقارير العلمية اللازمة، وهو أمر ليس باليسير، ولا يجب لأي أحد أن يُحسن الظن في نفسه، ويتقدم دون أن يكون متأكداً بالفعل من أنه قادر على خدمة المجتمع. في مجتمعٍ متنوع الأفكار والمبادئ والقبائل، ينبغي ألا تكون الانتخابات فرصة للتكتل والاصطفاف على هذه الأسس، في تصوري أن التصويت هو عملية أخلاقية، يتحمَّل فيها كل شخص نسبة من صلاح المجتمع، وفساده بمثل نسبة صوته إلى إجمالي الأصوات. كل مَنْ يرشح شخصاً غير مؤهل لخدمة المجتمع هو شريك له في الفشل والتعثر، والعكس تماماً صحيح، أما تصور أن الأخلاق الفاضلة، وصفات الخير الكثيرة الموجودة في المرشح هي دليل على الكفاءة الإدارية، فهذه «طامة فكرية كبرى». المطلوب هو شخص إداري، يملك علماً وتجربةً وقدرة، كما يملك بالتأكيد الأمانة، أما شخص زاهد، وعلى قدرٍ عالٍ من المثالية، بينما لا يُحسن من الإدارة شيئاً، فهذا لا ينبغي أن يكون له مكان في البلدية، أو في أي جهة إدارية. في الانتخابات الحالية سُمح للمرأة السعودية بالمشاركة في الترشح لعضوية المجلس، بعضهم يرى في ذلك أمراً حسناً، وإيجابياً، وآخرون يتحفظون عليه. في تصوري أن الجنس هنا غير مهم أبداً، المهم هو القدرة، لذلك: كل مرشحة ينبغي أن تضع في حسبانها هذه الحقيقة، وأن مشاركتها ليست من أجل منح المرأة مكانة، تعتقد أنها أولى بها. المطلوب في المرشح البلدي سواء كان رجلاً، أم امرأة، هو الكفاءة الإدارية، والتجربة، والعلم، ودون ذلك لا ينبغي لأحد أن يرشح نفسه، وإذا فعل ففي اعتقادي أنه يفوِّت كثيراً من المنافع على المجتمع.
مشاركة :