الارتقاء بالمستوى الثقافي همّ يسكن وجدان المثقفين، وهاجس لا يغيب عن فضاء الفكرة، وعلى الرغم من المشاركات الدولية في المحافل الأدبية والمعارض الثقافية وحضور الإصدارات المترجمة والاجتهادات الفردية من دور النشر والتوزيع في التواجد خارج الدولة، إلا أن هناك تحديات تواجه إبراز الإبداع المحلي للعالمية، وذلك ليس نقصاً بالكوادر الملهمة، بقدر ما هو حاجة ملحة إلى وضع استراتيجية ثقافية تنمي الطاقات المحلية لتمثيل الرؤية الوطنية والثقافية في الخارج. إلى ذلك، أكد عبدالله ماجد آل علي، المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، أنه «خلال عقود قليلة من عمر الدولة انتشرت المؤسسات الثقافية التي تتبنى مشاريع تهتم بالموهوبين، وتفسح المجال للشباب كي يصقلوا مواهبهم، وتدعم المخضرمين من مبدعي الدولة وترعى إنتاجاتهم الفكرية والأدبية والفنية». وتابع: «شهدت دولة الإمارات انفتاحا كبيرا على الثقافة العالمية، سواء من حيث استضافة فروع من جامعات أجنبية وإقامة متاحف عالمية وتنظيم قمم ثقافية وفكرية، وإنتاج ودعم أعمال فنية ودرامية، فضلاً عن تقديم جوائز عالمية، ما جعل الإمارات في قلب الحركة العالمية»، موضحاً: «شبابنا الآن يقرؤون بلغات عدة، ومنهم قادر على الكتابة والإبداع بلغات أجنبية، وهناك مشاريع كثيرة تستقطبهم وترعى مواهبهم، فضلاً عن مشاريع الترجمة التي تعزز حضور الثقافة العالمية في مجتمعنا». وقال: «نحن في حاجة إلى مزيد من الدعم للمنتج الإبداعي الإماراتي وتقديمه للعالم بشكل لائق، ولا تزال حركة الترجمة المعاكسة قليلة إذا ما قورنت بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية، ما يفرض علينا تبنّي مشاريع ترجمة نتاجنا الإبداعي إلى لغات أخرى». وخلص إلى أن وصول المبدع إلى العالمية يعتمد على جوانب ذاتية في المبدع نفسه، فهو مطالب بصقل موهبته والمثابرة عليها بدأب وشغف، وكذلك الاحتكاك بالمنتج الإبداعي العالمي ومتابعة تجارب الذين تركوا بصمات في مختلف مجالات الإبداع. من جانبه، قال الكاتب سعيد البادي: «هناك إشكالية تتعلق بالجمهور العربي الذي ليس لديه شغف بالأعمال المحلية». وتابع: «لدينا معارض كتب ومهرجانات ثقافية، ومسابقات للإبداع، ومبادرات لتعزيز القراءة، لكن لا يزال هناك عزوف عن القراءة، وعن متابعة الإبداع الإماراتي». وأكد: «البحث عن حل لهذه المعضلة يحتاج إلى التفكير خارج الصندوق، وربما يكون الحل في خطة وطنية يتبناها المجتمع، لتعزيز الإبداع الإماراتي». وذكر: «ما يطمح إليه المبدع المحلي هو حركة ثقافية راسخة، تضمن لأدبائنا ومبدعينا النهوض. والعمل على توحيد الجهود والعمل الجماعي من أجل التطور النشاط في الفضاء الثقافي، على أن يتم إشراك الشباب مع الرواد ليكون الجميع جزءاً من المشروع الثقافي الإماراتي». وقالت الكاتبة الإماراتية خولة الطاير، إن «زخرت الإمارات بالنتاج الثقافي والفكري والإبداعي، كما أن هناك نشاطاً غير مسبوق في التأليف والترجمة والنشر والتوزيع»، مؤكدة: «وجود تجارب متفردة في كل مكان من هذه الأرض الطيبة». وتابعت: «هناك ريادة في الثقافة، وهناك من أضاؤوا أماكنهم ورسموا خطواتهم وغرسوا نهجهم وأسسوا كيانهم، وصنعوا التميز، وحركوا الساحة الإماراتية، ونجحوا في قيادة الثقافة»، موضحة: «كتابنا ومثقفونا يمتلكون كل المقومات للوصول للعالمية، فإماراتنا الحبيبة اعتمدت الثقافة نهجاً للنهوض، ونجحت في كل مساعيها، في ظل القيادة الواعية والرشيدة التي تسعى إلى الانفتاح على الثقافات الأخرى في العالم». حراك ما بعد «كوفيد-19» قال الكاتب والروائي علي أبوالريش، إن المرحلة الثقافية القادمة مهمة ومفعمة بالزخم الثقافي الملهم، بما ستشمله من مبادرات ثقافية وفعاليات مختلفة كالمعارض الفنية ومعارض الكتب، والأنشطة والندوات التي تسهم في الحراك الثقافي الذي يعد إضافة للفكر، داعياً المثقفين والمبدعين من مؤسساتٍ وأفراد، إلى الإسهام بهمة كبيرة في إطلاق موسم عطاء فكري فاعل بعد الخروج من التجربة التي مرت بها الإنسانية الناتجة عن تفشي «كوفيد-19»، ولا نبقى نعلّق الآمال على التعاون والتنسيق الذي يجب أن يكون قائماً بين المؤسسات الثقافية لأجل موسم ثقافي أكثر فاعلية في الإنتاج الثقافي بحيث يستفيد القارئ والمتلقي من هذه العطاءات المكثفة بشكل منظم وواعٍ ومفيد.
مشاركة :