قصة قصيرة / من يعرف السباحة؟ | ثقافة

  • 9/8/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قالت لي وهي في الخامسة من عمرها: أريد أن أتعلم السباحة. نهرتها: عندما نذهب إلى اللاذقية صيفاً سيعلمكِ أبوكِ. وعلى شاطئ الاسكندرية... شدتني من ذراعي... طأطأتُ... همست في أذني: لكنني لا أعرف السباحة!تجاهلت تلك الفكرة التي ألحت عليّ حين أخرجت من حقيبة يدي 6000 دولار ليخبئها في جيب سترته الداخلي ثم يغلق السحاب حتى رقبته ويغيب لثلاث ساعات. - إنها لا تعرف السباحة! همست في أذنه في الليلة السابقة: - إنها خائفة... لا تعرف السباحة. تمتم: سأشتري لها سترة نجاة. ألبستها السترة، قبل أن نحشر في القارب الخشبي القديم، طوقها بذراعه الأيسر... التصقت به... التصق بي شاب مذعور ظل يتقيأ طوال الرحلة... و بها التصق رجل في منتصف العمر نصف وجهه مكرمش معجون الملامح ذراعه المشوهة لازمت ذراعها فتعلقت بأبيها أكثر. أقدام ثلاثتنا مطوية تحاشرها أكتاف الآخرين... الموج يتلاعب بنا... يرفعنا فجأة فنشهق... يقذفنا فنكتم صرخة مباغتة... أحدهم يشتم زوجته التي لم تتوقف عن الولولة منذ تركنا الشاطئ... نتشبث بحواف القارب الذي ينز ماء تشربه ملابسنا الخفيفة... الهواء المعتم حولنا يصير أبرد كلما أبتعدنا... أهمس في أذنه: ستمرض... الهواء بارد وملابسها مبللة... يتجاهلني.أمد يدي إلى خاصرتي لأتأكد أن أوراقنا الثبوتية، وما تبقى من المال، وصورة عائلية لنا في صالة بيتنا قبل أربع سنوات مغلفة بالنايلون لخمس مرات ما زالت في مكانها. أسمع صوتا خافتا يتلو القرآن... أهمس في أذنه: - ليتني أحفظ سورة البقرة أغمض عيني على ذات العتمة... أحاول أن أستعيد وجه خالتي التي كانت تقرؤها كل يوم بعد صلاة الفجر... فيعود إلي داميا... مغبرا... مسحوقا. أهمس مرة أخرى:- لو أنني كنت في البيت ذلك اليوم لأراحني ذلك البرميل المجنون من هذا الشقاء. يسحب يده من حولي: - اصمتي لا أرى وجهه و لكنني أشم رائحته فأدسّ وجهي في ذراعه أكثر... أسمعه يهمس في أذنها مطمئنا... ترتخي كفه عن كفي فأفزع،أشدّ جسدي إليه أكثر. تمتد العتمة بنا أكثر... تصير السماء القاتمة والبحر جسدا واحدا... يلتصق الجميع ببعضهم البعض أكثر حين يصير الموج أعنف... يعلو نواح النساء... أكتم حاجتي الملحة في النحيب فيصير أنينا مكبوتا... تنفلت الدموع من عيني فأحمد الله أن الظلام يخفيها عنه... يفضحني صدري الذي يصعد و يهبط... يمد يده يتحسس وجهي، يكتشف الدمع، يمسحه بطرف كمه يشدّ رأسي إليه فأسمع لهاث صدره. أربع ساعات في عرض البحر، يخرج أحد المهربين مصباح يد، يلوح به في الهواء خمس مرات... نرى خيال قارب صيد كبير يقترب، يقف بعضنا في مكانه... ينهرهم المهربون... قبل أن نصل إليه يئن خشب القارب تحتنا... تبدأ أضلاعه في التفتق... تقلبه موجة فتنثرنا... أتخبط في الماء... أبحث عنهما... أناديه... يرتطم جسدي بخشبة ما أتمسك بها... أسمعه يخبرها أن تهدأ يقسم لها أنه سيجدها... أصرخ به: - إنها لا تعرف السباحة! أحرك ذراعي الحرة في الماء أحاول الوصول إلى مصدر الصوت... العويل والصرخات تشق الهواء: يا الله؛ الصغار يستنجدون بآبائهم... ضربات أجسادهم عمياء في الماء الغادر، البحر يضربنا... يبتلعنا. أحرك ذراعي... قدمي... أناديهما... ترفعني موجة... أشهق... تقذفني فتفلت الخشبة من تحت ذراعي... أتذكر فجأة أنني لا أعرف السباحة!

مشاركة :