إن المسار الطبيعي للحياة ومجريات حياة الدول والشعوب هو أن تسير جميعها بنفس اتجاه عقارب الساعة، فذلك هو الوضع الطبيعي والمسار المنطقي الذي يؤكد صحة وسلامة مسيرة الدولة أو الشعوب على حد سواء، ولو تمعنّا في وضعنا الراهن ومجرياته، لما غاب عنّا أننا نسير كدولة وشعب باتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة! ولا شك في أن ذلك وضع مقلق وحالة مرعبة، لأننا نهدر ركائز وننقض مسلّمات ونبدد مكتسبات، ونفوّت كل فرص ومعطيات الإصلاح والتنمية، ونمضي بمسار يُلحق الضرر والفشل بالكويت، رغم امتلاكها مؤهلات ومقدّرات التفوق والرفاهية والنجاح! لقد حبا الله الكويت بخمسة مقومات أساسية مثالية في مقاييس مقومات نجاح الدول وتقدّمها: نظام حكم مستقر بناؤه توافقي ومرجعيته رضائية متأصلة، وسطرته وثيقة دستورية وسياسية متوازنة قواسمها منطقية ومتعاضدة. أسرة حكم نابعة من الشعب محلّ إجماع والتقاء وطني عفوية وتلقائية في ارتباطها بهم من دون تكلّف ولا تعالٍ، تدرك ولاء الشعب لها، لأنها تحمل همومه وقضاياه. شعب واعٍ مثقف ومشغوف ناصح ومتسامح وأمين، يحترم المواثيق ويدين بالولاء للأسرة ونظام الحكم، مجتهد ومبدع وتجاربه سديدة، وعاديات الدهر أكدت أصالة معدنه وصلابة مواقفه الوطنية. ثروة وطنية ووفرة مالية فريدة ومتنامية، حُسن توظيفها له عوائد مذهلة ورفاهيتها سانحة، وضماناتها متنوعة ومقننة. مكانة عربية وإسلامية ودولية رائدة تقديراتها ظاهرة وثمرة ارتباطاتها متينة، تعطي استقراراً وأماناً وضمانات متتابعة، بانفتاح واعٍ يجذب ويحفز للتطور، تحفّها نعمة أمان إلهي من خيرية متجذرة. ورغم كل تلك المقومات، فإننا نهدر تلك الركائز، فأسندنا المسؤولية لمن لا يستحقها، ففرّط بالمقومات وأضعف المؤسسات ونال من المرجعيات، بل سعى إلى نقض المسلّمات، فانزوت الأمانة وتوارى الرجال، وتسلّل سلوك التسلق والنفاق والانتفاع والتكسُّب على حساب المؤسسات التي تآكلت من الداخل، وشهدنا تبديداً للمكتسبات التي شيدتها أجيال متعاقبة وسلّمتها للرعيل الأول، تجمع الكويتيين ولا تفرّقهم، بل وفوّتنا كل فرص ومعطيات الإصلاح والتنمية، فمضينا بسلوك الانتهازية واقتسام البلد وتحوّل المشروع الوطني لمكاسب آنية ومغانم شخصية اهترأت معها قيم الصدق والعفوية والأمانة، واستخدم القانون للتخويف والترهيب، وتقلّصت الحرية حتى في دوائرها الطبيعية، فليس غريباً أن نرى أن البلد يلحقه الضرر ويسير بدرب الفشل، وكل ذلك من صنع من أوسدت إليهم المسؤولية، فما أحوجنا أن نراجع حساباتنا الوطنية ومقومات نجاحنا الحقيقية، ونسير بالتكويت بخطى متسارعة، وفي مقدمتها الوظائف القضائية والحساسة والوظائف الوسطى التي هي عماد التنمية وقوام البلد البشري، ليكون التعليم النوعي ركيزة للتنمية البشرية. ولنغلق منزلقات التزلف الزائف الذي يغشاه زبد لا يسمن ولا يغني من جوع، ولنبعد عن مواقع المسؤولين الفشلة والسراق والمنافقين وأشباه الرجال ممن تسيّدوا مؤسساتنا، وكانت إدارتهم وسلوكياتهم هي العلّة في مسيرتنا عكس عقارب الساعة، فالزمن لن يعود ولندرك حكم الرعيل الأول "ما ينفع القيس بعد الغرق"، "وإذا فات الفوت ما ينفع الصوت".
مشاركة :