الحالة الحرجة للمدعو (ك).. الخلاص من الألم بالكتابة

  • 2/20/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

رواية الحالة الحرجة للمدعو (ك)، للكاتب عزيز محمد، تحفة أدبية رائعة وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر، لقد كتب عزيز محمد روايته بإحساس الفنان الذي تلقى هبة من السماء لينكشف له هذا الضوء على المدعو (ك). يظهر الإحساس الطاغي بوحشة الفرد ودفاعه الشرس عن فرديته أمام نظام اجتماعي واقتصادي يحاصره حد الاختناق. شخصية المدعو (ك) المضطربة والمنعزلة عاطفياً عن مجتمعه وعائلته منذ الطفولة، ظل يلف نفسه بقشرة صلبة من اللامبالاة والبرود والنزق حتى لأنك تشعر بالتعاطف معه حين يقفل جميع مسامات روحه عن أي ذرة حب أن تنفذ من خلالها كأنما الآخرون هم الجحيم كما يقول سارتر. عاش المدعو (ك) لا يحظى بإعجاب أحد لا من عائلته ولا من مكان عمله، أما علاقته مع أسرته فكانت باردة وباهتة ومتوترة خصوصاً مع أخته التي أصبح الصمت هو لغتهما المشتركة وذلك للتعاكس الحاد بينهما فهي مفرطة في الاهتمام بالمظاهر وعقد الصفقات الاجتماعية وهو في الاتجاه المخالف تماماً، فأصبح منعزلاً بصحبة الكتب وحاسوبه الشخصي وأشعاره وأغانيه البوهيمية. يقول: «اكتشفوا أني مصاب بالسرطان» وذلك حين أراد أن ينقل الخبر إلى جده، ويبرئ بنفسه عن التسبب في حدوث هذه المصيبة على العائلة. لقد سرد الكاتب حال المرض والمريض بكل واقعية واصفاً مراحله ومضاعفاته الجسدية والنفسية بدقة من جرب أو عايش تجربة قريبة له، ابتدأ من مرحلة الغضب ثم الإنكار والإحباط وتنتهي أخيراً بالتقبل والتصالح مع المرض تم ذلك خلال أسابيع المرض الأربعين بسرد بعيد عن الافتعال الخارج عن السياق المتوازن لوصف الحالة. لكن غير الواقعي هو السلوك المتمرد الذي اختاره الكاتب للمدعو (ك) بدل أن يستجدي له الشفقة ويزيد من السوداوية والتشاؤم، استبدال ذلك بالسخرية وتحول المدعو (ك) إلى شخصية كوميدية تنشر النكت وتثير الضحك في أصعب المواقف الدرامية حتى لأنك في لحظة تشعر بالشفقة على السرطان لا عليه، في تمثل للدراما الكوميدية السوداء في أنقى صورها. مقتطفات من الرواية: أتساءل متى تنتهي هذه الرقابة التي أمارسها على ذاتي عبر أعين الآخرين، لماذا دائماً هذا الخزي الذي لا ينقطع؟ ربما لم أكن لأمانع الاستماع إليه لو كنت أملك الطاقة، لكني بلغت أقصى قدرتي المحدودة أصلاً على الاختلاط بالآخرين. كنت أرغب في أن أكون ملحوظاً بطريقة خاصة، لكني لم أرغب أبداً في أن أكون الأكثر إثارة للانتباه. وكان هذا نزوعاً يجري في طبيعتي، فلطالما ارتبكت متى اضطررت أن أكون في الواجهة في أي من مجالات الحياة. ومع تقدمي في السن، كان قد نشأ لدي شعور بأن ثمة دافعاً خفياً وراء كل ما أفعله. هكذا ظللت أنزع القشرة تلو القشرة، في محاولة الوصول إلى لب دوافعي، بالطريقة التي يتسلى بها طفل يجنح للتحليل، غير أني أفعل ذلك بجدية تامة، إلى حد أن أجرد تصرفاتي من كل معنى للخير، وربما كل معنى للشر أيضاً. وأعلنت ذات نقاش انشقاقي عن تقاليد المجتمع، بحجة أني أرفض أن أكون جزءاً من القطيع، موحياً بأن طبيعتي الانطوائية إنما كانت في أصلها اختياراً. هل هذا هو الانعزال؟ هل هذا ما كنت أتوق للتخلص من عملي لفعله؟ هل هذه هي الذات التي أرغب في أن أتوحد بها؟ لماذا تصورت أني سأكون كأولئك الشعراء الذين يستقون الإلهام من آلامهم وفوضويتهم وفراغهم الدائم؟ أين يكمن الشعر في هذه البطالة؟ أين توجد الحكمة. احتساب الأجر واستدراك قرب الأجل، كان هذا ما يتمحور حوله حديثه، لأنك بمجرد إصابتك بالمرض صرت في حكم جثة، وخير ما تفعله هو أن تبدأ ببناء مشروع عاجل للجنة. راودني شعور حاد يتعذر استعادته الآن على نحو دقيق، كان أشبه بشيء يقول إن الحياة كلها ليست سوى مبالغة. خالد المخضب

مشاركة :