حتى لا نصل لمرحلة «عض الأصابع»

  • 9/12/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

توقع تقرير لموقع سي إن إن عربي قبل أقل من شهر تقريبا، مواجهة بين الشرق والغرب للسيطرة على حصة السوق من النفط بعد انخفاض أسعاره لنحو 40 دولارا للبرميل، وقال التقرير إن ثلاثة من أكبر اللاعبين في العالم، المملكة العربية السعودية وروسيا والولايات المتحدة والذين ينتجون ثلث الإمدادات العالمية تقريبا، يضاعفون الرهانات العالمية على الأسعار، خاصة عشية اجتماع منظمة أوبك في نوفمبر المقبل. فالأسعار إذن تتراجع ويبدو من المتعذر إيقافها، في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق الناشئة من أزمات تتعلق بعملتها، ويتباطأ اقتصاد الصين القوة الاقتصادية الشرق آسيوية ثاني أكبر اقتصادات العالم والتي بدا من قبل أنه من المستحيل كبحها.. ورأينا كيف تأثرت الأسواق المالية في منطقة الخليج والعالم بتراجع معدلات النمو الصينية. ونقل تقرير سي إن إن توقعات بعض الخبراء العالميين، فمنهم من طالب بضرورة الإسراع في وضع استراتيجية سريعة للتوازن بين الإنتاج والأسعار، خاصة وأن انتاج الأوبك يقترب من أعلى نسبة في السنوات الثلاث الماضية بما يقارب اثنين وثلاثين مليون برميل يوميا بزيادة نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا على العرض الزائد. ربما يكون حديثنا اليوم مختلفا نوعا ما، فهو وإن كان اقتصاديا فهو ليس بعيدا عن السياسة والحياة، لماذا؟.. نعلم جميعا أن موازنات الدول المنتجة للنفط تعتمد اعتمادا كليا على حجم انتاجها من الخام وسعره في السوق العالمي، لأن تقديرات الموازنة نفسها تضع سعرا تقريبيا لبرميل النفط على مدى أشهر العام، زيادة وانخفاضا، فما بالنا إذا كانت أسعار النفط تشهد منذ اغسطس الماضي أسوأ صيف لها منذ عام 1983، وليتذكر الاقتصاديون آثار الأزمة الاقتصادية والمالية عام 2008، وهو العام الذي شهد انهيار الأسعار إثر الأزمة المالية العالمية. وربما نضيف أن هذه الأزمات ليست جديدة على العالم، فقد مر بها عامي 1986 و1998 وآخرها عام 2008، ولكن الجديد في الأزمة الحالية أن ما يحدث في السوق متوقع، إذ إن العوامل الأساسية لم تتحسن كثيرا، فالإنتاج ما زال مرتفعا والفائض في السوق لا يزال كما هو عند نحو 1.5 مليون برميل يوميا، والطلب وإن كان ينمو بصورة جيدة، إلا أنه لا يمكن أن يستوعب الفائض الحالي. ولهذا، ووفقا لأراء اقتصادية، فإن المقبل للأسعار هذا العام لن يكون أفضل كثيرا مما نراه اليوم، في ظل الأوضاع الحالية ومع تأثر العامل النفسي للمضاربين بسبب توقعهم بقاء الفائض لمدة أطول مما كان الجميع يتوقعونه. ومن الاقتصاد للسياسة، فإن مشكلة انخفاض الأسعار ستتأثر بها جميع الدول المنتجة بدرجات متفاوتة، ولكنها ستكون حادة ربما في السعودية التي وضعت موازنتها على أساس مائة دولار للبرميل، ومن ثم فهي في حاجة ماسة لتخفيف الإنفاق خصوصا مع التوقعات الضعيفة للنفط على المدى المتوسط.. خاصة في ظل توجه سعودي بالإنفاق الكثيف. وارتباطا بالسياسة أيضا، ثمة من يتوقع تهاوي أسعار النفط ليصل لنحو 10 دولارات في 2016، وصاحب هذا التوقع هو شانتا ديفيرجان رئيس الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي.. وطبيعي أن يضع هذا الخبير حيثيات توقعه المرير، وهنا مربط الفرس ومدخلنا للشق السياسي في الموضوع، فالسبب هو رفع الحظر عن إيران بعد ابرام الاتفاق النووي، فاقتصاد طهران سينمو بعد دخول النفط الإيراني إلى السوق وإطلاق الأموال المجمدة. الخبير الدولي حذر من سلوك إيران بناء على تاريخ من عدم الثقة في تصرفاتها، فالمطلوب وفقا لرأيه، أن تلتزم الشفافية في برنامجها للإنفاق العام واستثمار الأموال في البنية التحتية في البلاد وليس في أمور عسكرية أخرى. يعلم الاقتصاديون أن رفع العقوبات عن إيران سيؤثر كثيرا على أسعار النفط، لأن الزيادة في الصادرات اليومية بمقدار مليون برميل سيمتد تأثيرها على الأسعار العالمية إلى التجارة، كما أن إيران ستتجه الى الأسواق الغربية نظرا لحاجتها الأكيدة للتكنولوجيا الغربية للعودة بإنتاج النفط إلى سرعته السابقة، بعد تهالك مصافيها بسبب الحظر الدولي. نعود الى السعودية، أحد أضلاع المثلث الذي ذكرناه في البداية مع روسيا وأمريكا، فهي أوقفت خلال شهر يوليو الماضي عملية السحب النقدي من احتياطات الدولة، لتسجل ارتفاعا بلغت نسبته 0.3% عن الاحتياطات النقدية المسجلة في الشهر الذي يسبقه.. ويحسب للسعوديين تحقيق هذا النجاح في وقت بدأت فيه أسعار النفط تعيش أوضاعا صعبة خلال الأشهر القليلة الماضية. ولم يكن هذا النجاح وليد الصدفة، ولكنه يرتبط بما اتخذته من اجراءات مالية واقتصادية جيدة، منها القدرة على وقف عملية السحب النقدي من احتياطاتها المالية، فتبنت خيار إصدار سندات تنمية حكومية، مما ساهم بشكل كبير جدا في دعم قدرة الاقتصاد السعودي على مواجهة انخفاض أسعار النفط، والاستمرار في مشاريع التنمية، وسط ملاءة مالية كبيرة تتميز بها البلاد. كما يحسب للاقتصاد السعودي احتفاظه بخيارات عديدة لسد عجز موازنة 2015 المتوقع، منها اللجوء لحلول تمويلية أخرى تتعلق بإصدار سندات التنمية.. وقد ساهم عدم اللجوء الى آلية السحب من الاحتياطي النقدي في أن يرتفع بنحو 184 مليون ريال 49 مليون دولار في يوليو الماضي مقارنة بالشهر الذي يسبقه، وهو أول ارتفاع منذ شهر أكتوبر الماضي، ليصل حجم الاحتياطي النقدي للسعودية إلى 659.5 مليار ريال 175.8 مليار دولار.. ومن هنا كان لإصدار السعودية لسندات تنمية حكومية، عاملا مهما في توفير السيولة النقدية ووقف السحب من احتياطي البلاد النقدي، نظرا لما تتمتع به المملكة أيضا بملاءة مالية عالية جدا، ولهذا تكون السندات الحكومية خيارا اقتصاديا مهما للغاية في وقت تتراجع فيه أسعار النفط، وترتفع فيه معدلات الإنفاق خلال موازنة 2015. كما ساهمت الودائع النقدية الكبيرة جدا في البنوك التجارية السعودية في منحها القدرة على تمويل السندات الحكومية، بهوامش ربحية منخفضة. وقد يدفعنا الحديث عن الاقتصاد واحتمالات استمرار انخفاض أسعار النفط الممول الرئيسي لاقتصاديات المنطقة، الى البحث عن بدائل كفيلة بمساعدة الدول على دعم موازناتها الاقتصادية بدون أن يتأثر المواطن بالدخول في مرحلة السنوات الصعبة، وربما يكون من البدائل، الاستثمار في التعليم التقني وبناء اقتصاد يقوم على الصناعات المستدامة لتعويض تراجع أسعار النفط أو حتى لانقطاع موارد النفط بصورة كلية. فمدخلات الصناعة مضمونة إذا تم الاستثمار فيها بقوة خاصة وأن الودائع النقدية بالنبوك ضخمة جدا وتتحمل اقامة المصانع المطلوبة لتشغيل الشباب والاستغناء تدريجيا عن النفط. كما أنه من المهم جدا الاستغناء عن المجتمع الاستهلاكي والبدء في تنبيه المواطنين علي كيفية التعامل مع الأوضاع الجديدة، فالعالم يتغير من حولنا ونحن لا زلنا كما نحن، نعتمد على الدولة في المأكل والعمل وحتى السياحة الخارجية.. ومن المهم أيضا أن تسرع مؤسسات الدولة في الدول الخليجية عموما الي تغيير أسلوب الإدارة لتحفيز المواطنين علي العمل والانتاج وليس انتظار الوظيفة المضمونة، حتي لا نصير مثل دول العالم الثالث التي يعتمد مواطنوها علي الدولة في كل شيء، وحتي لا نصل لمرحلة عض الأصابع. * كاتب ومحلل سياسي بحريني

مشاركة :