تتواصل الضغوط العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية لترجيح كفة أحد طرفي الأزمة السورية دبلوماسيا لدى انعقاد جنيف2 في 22 يناير الجاري، بل إن تأجيل الموعد مرة بعد أخرى يعود إلى محاولات كل فريق تعديل موازين القوى عسكريا قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، فتبدأ المواقف تتوالى حول الشروط والظروف والنتائج المتوخاة والضمانات المسبقة حول الوضع النهائي بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وهوية الدول المشاركة في المؤتمر. لكن هل المهلة مفتوحة للنظام والمعارضة حتى يحقق كل منهما ما يبتغيه فيتأجل المؤتمر مرة أخرى، أم أن برنامج العمل المشترك بين روسيا وأمريكا لا يحتمل مزيدا من التأخير، إذ أن عامل الوقت لم يعد يماشي المصالح الدولية بعد تفاقم الأزمة الإنسانية وبروز مخاطر التطرف على المنطقة والعالم. جنيف2 يستند إلى ما قرره جنيف1 العام الماضي، وتدور بنوده حول انطلاق المرحلة الانتقالية وما تقتضيه من وقف إطلاق النار وإطلاق المعتقلين وإغاثة النازحين في الداخل والخارج، لكن السؤال المركزي هو حول ماهية الحكومة الانتقالية وصلاحياتها ودور بشار الأسد فيها، ومستقبله السياسي في النظام الجديد المزمع إقامته على أسس مختلفة تماما ــ كما أشار الأخضر الإبراهيمي. وهنا يقع التنازع الجوهري بين طرفي الحرب، فإن رجحت كفة أحدهما قبل المؤتمر مالت نحو نتائج معينة، والعكس صحيح. وهذا ما يعمل عليه فعلا النظام وحلفاؤه عندما شن منذ أسابيع قليلة هجومه المثلث الأضلاع في ريف حلب والغوطة الشرقية والقلمون، وحقق في المراحل الأولى نجاحات ميدانية ملحوظة قبل أن يتباطأ الهجوم تدريجيا. وبالمقابل، ردت المعارضة المسلحة عقب توحيد الفصائل الإسلامية بهجمات مضادة في عدد من المناطق، وحققت نجاحات جزئية في تلك الجبهات، ما يعني أن كلا الطرفين لم ينجح عمليا في الاقتراب من الحسم العسكري، بل حافظا على حالة التوازن التي تؤسس لاتفاق متوازن بمعنى الائتلاف بين النظام والمعارضة في حكومة واحدة وبقاء مصير الأسد مجهولا. بيد أن أخطر تداعيات الحرب الطاحنة في سوريا ما يجري في لبنان الساحة الخلفية حيث المعاقل الرئيسة لحزب الله حليف النظام السوري وقواعد انطلاقه نحو الجبهات المشتعلة. فلبنان يمر بأزمة سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة مع تزايد أعداد اللاجئين السوريين، وتعطيل المؤسسات الدستورية الواحدة تلو الأخرى بسبب الاختلاف الحاد حول سوريا، وهو امتداد طبيعي للخلاف الأساسي بين معسكري 8 و14 آذار، وتوالي الأحداث الأمنية الخطيرة التي تنذر بامتداد الصراع إلى لبنان بطريقة أو أخرى، من السيارات المفخخة في الضاحية الجنوبية وطرابلس وإطلاق الصواريخ على البقاع وضواحي بيروت، وصولا إلى العملية الانتحارية المزدوجة ضد السفارة الإيرانية، ومحاولة جر المخيمات الفلسطينية، وتحديدا عين الحلوة إلى أتون المعركة، وأخيرا اغتيال مسؤول عسكري لحزب الله بطريقة غامضة في منطقة محسوبة تماما عليه قرب العاصمة، ما يعني أن لبنان دخل عمليا في حسابات الربح والخسارة في المعركة الدائرة قريبا منه، وأن لعبة الضغوط المتبادلة لم تعد منحصرة في سوريا وهو ما يغير نوعيا في قواعد اللعبة التي حاول حزب الله الارتكان إليها طيلة الأشهر الماضية، ويزيد من كلفة التدخل في كافة المجالات والمستويات.
مشاركة :