أكدت التحليلات السياسية واهتمام ومتابعة أجهزة الصحافة والإعلام المحلية فى كل من: مصر والسودان وكذا أجهزة الإعلام العربية والإقليمية والدولية مدى عمق واتساع حجم الاهتمام بمعظم اللقاءات المشتركة بين الجانبين المصرى والسودانى فى الفترة الأخيرة ..وعلى الأخص زيارة الرئيس السيسى التاريخية للسودان و التى تمت ليوم واحد وهو السبت ٥/٣رغم أنها تتم بين زعيمى دولتين جارتين وشقيقتين ..كما أن هذه الزيارات تتوالى بين الجانبين ..فهى لم تكن الزيارة الاولى ولن تكون الاخيرة بأى حال من الأحوال خاصة فى ضوء المصالح الاستراتيجية العليا بين البلدين وأهمية كل منهما تجاه شقيقتها،وقوة تأثير كل دولة على الأمن القومى للدولة الأخرى المجاورة وكذا الأمن المائى الواحد "تقريبا" ناهيك عن مبررات التعاون الاقتصادى والتبادل التجارى والتنسيق العسكرى المشترك والضروري بينهما,وعوامل التاريخ والجغرافيا والسياسة والثقافة والتى فرضت المصير الواحد لكل من:مصر والسودان. وحقيقة فإن العلاقات بين مصر والسودان هى علاقات استراتيجية وهامة بشهادة كل الخبراء والسياسيين والدبلوماسيين والمفكرين والاعلاميين وهو الأمر الذى أعطاها زخما واهتماما خاصا ..وأتذكر مرة أن د.أسامة الباز المستشار السياسي الخاص للرئيس/مبارك ووكيل وزارة الخارجية المصرية لسنوات وعقود طوال -قد ذكر خلال إحدى لقاءاته بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ,وفى حضور حشد كبير من خبراء مصر ومفكريها :أن علاقة مصر بدول حوض النيل عامة والسودان واثيوبيا خاصة تعد من أهم أوجه العلاقات المصرية قاطبة مع دول العالم بأسره وأنها تتفوق وتتميز حتى على علاقاتها مع الولايات المتحدة واسرائيل. أهمية اللقاءات:ولقد زاد من أهمية اللقاءات الأخيرة والتى جسدتها الزيارة الرئاسية المصرية فى مارس الجارى كما صاحبتها زيارات هامة أخرى كزيارة رئيس الأركان المصرى للسودان وتوقيعه اتفاقية عسكرية هامة بين الجانبين وزيارة وزيرة الخارجية السودانية لمصر"مريم الصادق المهدى" وكذا زيارة "عبد الله حمدوك" رئيس الوزراء السودانى على رأس وفد رفيع المستوى لتفعيل ما تم الاتفاق عليه خلال الزيارة الرئاسية -زاد من هذه الأهمية ضرورة التعاون والتنسيق بين البلدين فى هذه اللحظة الآنية التى تتطلب الالتفاف والتنسيق والاتحاد فى مواجهة التحديات المشتركة وأهمها التحدى المائى الناجم عن اتجاه اثيوبيا نحو الملأ الثانى لخزان سد النهضة فى يوليو القادم بشكل أحادى ودون التنسيق مع مصر والسودان وما يشكله هذا من مخاطر محتملة خاصة على السودان. هناك أيضا التحدى الأمنى والوجودى المتمثل فى تهديد اثيوبيا لأمن السودان فى منطقتى: الفشقة والقضارف السودانية..واضطرار السودان لنشر قواتها على الأراضى التى احتلتها اثيوبيا والمتاخمة لها بدعم معنوى مصرى ,وذلك بحكم أن الأمن القومى السودانى هو أحد الشواغل المصرية الهامة ..ولذا وجب التنسيق وتوقيع اتفاقية عسكرية مشتركة وقعها رئيس الأركان مع الجانب السودانى...كما سبق الذكر. مضمون الاتفاقية:وقع السودان ومصر، الثلاثاء 2 مارس ، اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين، إثر زيارة رئيس أركان الجيش المصري، الفريق محمد فريد، العاصمة السودانية الخرطوم.وشدد الفريق محمد فريد على أن بلاده "تسعى لترسيخ الروابط والعلاقات مع السودان في كافة المجالات خاصة العسكرية والأمنية، والتضامن كنهج استراتيجي تفرضه البيئة الإقليمية والدولية"، مشيرا إلى أن "السودان ومصر يواجهان تحديات مشتركة وأن هناك تهديدات متعددة تواجه الأمن القومي في البلدين.كما أعرب رئيس أركان الجيش المصري عن "استعداد القاهرة لتلبية كل طلبات السودان في المجالات العسكرية كافة"، معتبرا أن مستوى التعاون العسكري مع السودان "غير مسبوق".من جانبه، رأى رئيس أركان الجيش السوداني، الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، أن "الهدف من الاتفاق هو تحقيق الأمن القومي للبلدين، لبناء قوات مسلحة مليئة بالتجارب والعلم"، متوجها بالشكر إلى مصر، على "الوقوف بجانب السودان في المواقف الصعبة". التحديات المشتركة:ولعل من أهم التحديات التي استدعت اللقاءات المتعددة والزيارات والأنشطة المتنوعة والتنسيق المشترك وخاصة زيارة الرييس السيسى للسودان هو مخاطر التحدى الإقليمي لمجابهة اثيوبيا والتى تدعى نفسها قوة إقليمية عظمى لاتعبأ بأمن واستقرار الاخرين،وتتجه دائما نحو التصريحات العنترية التى لا تراعى مصالح أى طرف ومن ثم فإن التعاون والتنسيق المصرى-السودانى المشترك يوازن المعادلة ويجعل ميزان القوة يميل لصالح مصر والسودان،حتى لو لجأت اثيوبيا للتحالف مع إريتريا أو جنوب السودان أو غيرهما،لأن كل هذه دول وكيانات هشة لا تقارن بقوة مصر وصلابة جيشها ورباطة جأش شعبها وحكمة قيادتها وخبراتهم المتراكمة وما عاصرته من مشكلات عضال استطاعت أن تواجهها بقوة وشجاعة وحكمة:كالنزاع العربى -الإسرائيلي وحرب تحرير الكويت وحرب مواجهة الإرهاب ودعم الشرعية فى ليبيا وغيرها من الخبرات والتراكمات التى تقوى ذاكرة الوطن وتزيد من عزمه فى مواجهة الصلف الاثيوبى لمحاولة تحويل النيل الأزرق والذى يمر عبر ٣ دول إلى بحيرة اثيوبية أو الالتفاف على حصة مصر المائية والبالغة ٥٥.٥٠ مليار متر مكعب وفقا للاتفاقية الموقعة مع السودان عام 1959بخلاف عدد من الاتفاقيات القانونية الدولية الأخرى وقانون الأنهار الدولية أو الحقوق التاريخية المكتسبة وغيرها. نتائج الزيارة:رأى المحللون أن زيارة السيسي للخرطوم.. تحمل "إشارات قوية" واعتبارات جيوسياسية...وأنها تبعث بإشارات لافتة بشأن أهمية الاعتبارات الجيوسياسية بين البلدين، وكذلك العلاقات التاريخية بينهما، والتي تجعل لأي مقاربة سياسية وإقليمية تأثيراتها الحيوية في ظل طبيعة الملفات المتفاوتة والقضايا المشتركة.ولقد تم التباحث بشأن سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين على كافة الأصعدة، بالإضافة إلى بحث عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الأولوية والاهتمام المشتركين، خاصة تطورات الأوضاع في منطقة الحدود السودانية الإثيوبية، ثم التحركات السودانية الأخيرة لبسط سيادة الدولة على حدودها الشرقية المتاخمة لإثيوبيا. وعكست المناقشات، وفق الرئاسة المصرية "تفاهما متبادلا بين الجانبين إزاء سبل التعامل مع تلك الملفات، بما يكفل تعزيز القدرات الإفريقية على مواجهة التحديات التي تواجه القارة ككل، كما تم الاتفاق على تكثيف وتيرة انعقاد اللقاءات الثنائية بين كبار المسؤولين من البلدين بصورة دورية للتنسيق الحثيث والمتبادل تجاه التطورات المتلاحقة التي يشهدها حاليا المحيط الجغرافي للدولتين". ولقد أوضح المحللون إن زيارة الرئيس المصري للخرطوم تحمل دلالات ورسائل قوية ,خاصة بالنسبة لملف سد النهضة حيث كان في طليعة الملفات التي بحثها السيسي والبرهان، وذلك بسبب التعقيدات التي رافقت الملف بعد إصرار إثيوبيا على عدم التوقيع على اتفاق ملزم، وبدء الملء الثاني، وفشل مسار التفاوض عبر الاتحاد الإفريقي، ولذلك جرى الاتفاق بين مصر والسودان على أن تكون المفاوضات رباعية برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وهو ما جاء ليعزز ما تم الاتفاق عليه في القاهرة بين وزيري خارجية السودان ومصر. ومن بين الملفات الأخرى التي جمعت القيادتين المصرية والسودانية، "ملف التعاون الاقتصادي والاتفاقيات العسكرية والاستراتيجية، حيث أكد الرئيس المصري على المضي قدما في مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان، بالإضافة إلى المشروعات التجارية والاستثمارية"، لافتا إلى أن الاجتماع تناول "قضية حدود السودان وحق الحكومة في الخرطوم في إدارة وامتلاك أراضيها، إذ وعد الرئيس المصري بدعم الحكومة السودانية باتجاه فرض السيطرة على أراضيها وحماية سيادتها الوطنية والتماس الطرق الدبلوماسية لحل الأزمات. كما أنه يمكن استنتاج مجموعة أخرى من المؤشرات الخاصة بانعكاسات هذا التعاون على القضايا المتفاوتة في القارة الإفريقية، حيث إن "التنسيق الثنائي بينهما قد يكون دافعا لبداية مواجهة الأزمات التي تواجهها الدول الإفريقية، بحيث يمكن القول إن هذا النموذج من التعاون لم يأت كرد فعل على الأزمات التي تواجههما. وأنه "لا يمكن وصفه بأنه تحالف الضرورة أو أنه مرحلي، ولكنه امتداد لعلاقات قديمة وممتدة من الشراكة الإقليمية والتاريخية، وإن كانت قد شهدت مراحل من المد والجزر بسبب الصعوبات الداخلية والمحلية التي مرت بالبلدين، ويؤشر على ذلك أنه بمجرد تحقيق معدلات الاستقرار الداخلي، استعاد كل منهما علاقاتهما التاريخية، ووحدة المصير". من جهة أخرى، تؤكد التصريحات المصرية والسودانية أن التحركات الخارجية لكليهما تتسم بأعلى درجات التنسيق وتحديات المصالح الخاصة بكل منهما، وهو الأمر الذي سينعكس بصورة إيجابية على مسار المفاوضات مع إثيوبيا حول تقاسم حصص المياه باعتبار أنهما دولتا المصب". ولعل أهم نتائج الزيارة هو تحقيق مزيد من التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين وتوقيع العدبد من الاتفاقيات ،لكن فى المقابل تم تحفيز اثيوبيا والاتجاه نحو التدخل فى الشأن السودانى الداخلى بتأليب الحركة الشعبية لتحرير السودان وقيادتها ضد النظام الانتقالى الحاكم فى السودان برئاسة "الفريق :عبد الفتاح البرهان".. وحيث تحاول اثيوبيا أن تشغل السودان بوجود أكثر من جبهة مفتوحة ..وتعمل على تشيت جهودها على الحدود المشتركة بين الجانبين.ووفقا لما أوردته الأخبار فان إثيوبيا تعمق الخلاف مع السودان بدعم "قوات جوزيف توكا". فقد اتهمت وكالة الأنباء الرسمية السودانية "سونا" الحكومة الإثيوبية بتقديم الدعم اللوجيستي إلى قوات "جوزيف توكا" (الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال) في ولاية النيل الأزرق الجنوبية. وتقع الولاية جنوب السوادن، وتحديدًا في مثلث الحدود مع إثيوبيا وجنوب السودان.وأضافت: إنّ الدعم عبارة عن أسلحة وذخائر ومعدات قتال، وصلت إلى المنطقة في 27 (فبراير) الماضي، وكان في استقبال الدعم القائد جوزيف توكا وبعض قادة قواته. وذلك بغرض تشتيت جهود الجيش السوداني على الجبهة الشرقية. ويأتي ذلك الدعم ليعمّق الخلافات بين السودان وإثيوبيا، وتشهد علاقتهما توترًا غير مسبوق على وقع ملف سد النهضة، ونزاع حدودي في منطقة الفشقة السودانية. وقد تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وأديس أبابا منذ أواخر 2020، خاصّة بعد التحرّكات العسكرية الإثيوبية في منطقة الفشقة الواقعة داخل الحدود الدولية للسودان، رغم مساعي التهدئة. سيناريوهات المستقبل:تقول المعادلة الرياضية البديهية أن ٢×١=٢..ولذا فإن اتحاد مصر والسودان لو مضى بالشكل المتوقع والمأمول سيكون أقوى فى مواجهة اثيوبيا لو واجهت كل دولة بمفردها وحتى على مستوى الوساطة الدولية والرباعية المنتظرة من (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة والاتحاد الافريقى)حيث يمكن للدولتين تنسيق مواقفهما بشكل مشترك فى مواجهة أحادية اثيوبيا واتجاهها نحو الملأ بمفردهابدون تشاور مع الآخرين.كما أنه من الممكن توظيف الجاليات والمقيمين وحتى اللاجئين والنازحين لخدمة المواقف المشتركة للدولتين. كذلك من المهم تأجيل الجدال حول القضايا الخلافية والنزاع المصرى-السودانى حول مثلث حلايب وشلاتين وغيرها لما بعد الانتهاء من المشكلة الرئيسية مع اثيوبيا...والتوصل لاتفاق بشأن قضية مياه النيل المحتدمة,وما تمثله من مخاطر محتدمة على دولتى المصب:مصر والسودان. كان رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، قد ذكر خلال زيارته الأخيرة للقاهرة وبعد قرابة أسبوع من زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي الأخيرة إلى الخرطوم أنها أسست لخلق نوع جديد من العلاقة بين البلدين...وقال حمدوك -خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي-: إنه "خلال الأسابيع والشهور الماضية تبادلنا زيارات ذات طابع نوعي، حيث أسست زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي الأخيرة إلى الخرطوم لخلق نوع جديد من العلاقة بين البلدين، كما وضعت أساسا لزيارة تقوم على استراتيجيات وأشكال من العمل المشترك بشكل عملي وموضوعي واستراتيجي". وأضاف رئيس الوزراء السوداني، أنه خلال زيارة الرئيس السيسي للسودان ناقش الجانبان كافة الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك للشعبين المصري والسوداني، وعلى رأسها قضية سد النهضة.
مشاركة :