تأثيرات ظاهرة العمالة السائبة

  • 3/26/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هناك بعض التقارير التي تتكلم عن تراجع نسب العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون نتيجة الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها المنطقة والعالم بسبب انتشار وباء كورونا من ناحية وبسبب الأزمات الاقتصادية والمالية بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط وتباطؤ الاقتصاد العالمي وغير ذلك من المشكلات الكثيرة التي أثرت بشكل دراماتيكي على المنطقة بشكل خاص. ولذلك كان من الطبيعي أن تتراجع اقتصاديات المنطقة من ناحية وكان من الطبيعي أن تلقي هذه الأزمة بظلالها على سوق العمل في البحرين بوجه عام وعلى العمالة الوافدة بوجه خاص. إن عمليات الإغلاق التي يشهدها الاقتصاد بشكل متكرر بهدف تقليل النفقات قد اسهمت بشكل كبير في الركود الاقتصادي وأسهمت في التأثير سلبا على الفئات الضعيفة، منها العمالة الوافدة في المجتمع التي بات جزء كبير منها من دون عمل وتحولت إلى عبء على المجتمع من ثلاثة جوانب: الأول: العبء الصحي؛ إذ من الواضح أن هذه العمالة التي لا يعمل جزء مهم منها في الوقت الحاضر بسبب الإغلاق المتكرر ولديها إقامة عمل أصبحت الدولة تتحمل كلفتها الصحية حتى الاقتصادية سواء من حيث كلفة الفحص المتكرر أو من حيث كلفة اللقاحات وهذا أمر طال ليصل إلى أكثر من سنة وهي كلفة باهظة تغطي الجانب الإنساني من صورة البحرين في العالم إلا إنه ليس من المعقول أن تظل هذه العمالة سائبة بدون عمل بسبب آثارها السلبية على الدولة والمجتمع على حد سواء. الثاني: الكلفة الاجتماعية لهذه العمالة التي يخشى أن تكون لها آثار اجتماعية سواء المشهد الاجتماعي أو على إمكانية انتشار المخالفات والتصرفات والممارسات غير القانونية بسبب حاجة هذه العمالة إلى وسائل العيش، فإذا نظرنا إلى الوضع الاجتماعي وغير الإنساني للآلاف من هؤلاء الوافدين المتكدسين في مساكن وبيوت قديمة بعضها آيل للسقوط في بيئة غير صحية قد يؤدي إلى عواقب اجتماعية وصحية كبيرة منها انتشار وباء كورونا التي تبذل الحكومة ممثلة في الفريق الوطني لمكافحة الفيروس جهودا كبيرة وجبارة للتصدي له لمنع انتشاره والحد من آثاره. الثالث: التأثير السلبي للعمالة التي فقدت أعمالها على فرص العمل للبحرينيين بسبب الازدحام على باب الوظائف والفرص القليلة المتاحة في سوق العمل وخصوصا أن البحريني لا يستطيع منافسة العامل الأجنبي الذي يقبل الوظيفة براتب متدن جدا في القطاع الخاص؛ فالوظيفة التي يقبل عليها البحريني مقابل 300 دينار أصبح يقبل عليها الوافد بـ100 دينار، ما يجعل البحريني غير قادر على المنافسة وخاصة إذا اعتبرنا العوامل الأخرى المتعلقة بساعات العمل المطولة التي يقبل بها العامل الأجنبي وقلة أيام الراحة والإجازات. وإذا أضفنا إلى ذلك كله التراجع الكبير في التوظيف الحكومي أمام البحرينيين في الفترة السابقة لكورونا تزداد المشكلة صعوبة فمنذ بدء برنامج التوازن المالي كان من أهم أركان هذا البرنامج الحد من التوظيف الحكومي إضافة إلى فتح باب التقاعد الاختياري وما تركه من آثار كبيرة على سوق العمل فإن المشكلة اليوم أصبحت مزدوجة من حيث: أولا: استقبال سوق العمل سنويا الآلاف من الخريجين البحرينيين الذين تصل أعدادهم إلى ما يقارب عشرة آلاف سنويا من مختلف الجامعات الداخلية والخارجية الحكومية والخاصة والذين كان يستوعب جزءا كبيرا منهم التوظيف الحكومي فإن الوضع الحالي تراجع بشكل كبير وأصبح عدد ملموس من الخريجين من دون أعمال وصل عددهم في بعض التقديرات إلى حوالي عشرين ألف خريج، وهذه مشكلة كبرى نتوقع أن تتفاقم في السنوات القادمة وخاصة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه وفي ظل أزمة كورونا أو إذا ما استمرت الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية بما يعني أن يصبح عدد البحرينيين من الخريجين الباحثين عن عمل إلى عدة آلاف، وهذا خطر اجتماعي واقتصادي كبير، حيث كان التوظيف الحكومي يلعب دورا مهما في امتصاص بطالة الخريجين ومن ثم الحد من الأزمة الاجتماعية. ثانيا: كيفية المحافظة على الوظائف الموجودة حاليا في القطاع الخاص وخاصة في ظل الإغلاق المتكرر والتحولات التي أصابت عددا كبيرا من الوظائف والأعمال حيث لجأت العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة إلى التخفيف من الوظائف والأنشطة لمواجهة الأزمة من ناحية ولأنها اكتشفت من ناحية ثانية أن بعض الأعمال يمكن أن تتحول إلى أعمال رقمية يتم القيام بها عن بعد أو عن طريق البرمجيات وخاصة بالنسبة إلى المؤسسات والشركات الاقتصادية والتجارية الخاصة التي لا يهمها كثيرا الجانب الاجتماعي بقدر ما يهمها الجانب الربحي بالدرجة الأولى، ما سيكون له آثار سلبية على الفئات الأضعف في المجتمع وخاصة على الشباب والإناث وذوي الإعاقة والخريجين الجدد من الجامعيين الذين سيصابون بالإحباط فور تخرجهم والبقاء عدة سنوات خارج سوق العمل، وهو أمر إذا ما نظرنا إليه اجتماعيا يقلق ويجب أن ننتبه إليه ولا يجب أن نمضي في اتجاه تحقيق التوازن المالي من دون الأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على التوازن الاجتماعي والسلم الأهلي وضرورة بحث تسفير العمالة التي لا حاجة إليها لأنها أصبحت عبئا على الدولة والمجتمع كما أسلفنا، وبناء عليه فإننا في حاجة ماسة إلى الحد من العمالة الأجنبية قدر الإمكان والتخلص من العمالة السائبة لأنها أصبح لها تأثيرات واضحة وأن الإسراع في الحد منها سوف يفتح المجال أمام توظيف البحرينيين وخصوصا في القطاع الخاص ما يخفف الضغط على التوظيف في القطاع الحكومي مع استمرار برامج التدريب وإعادة التأهيل، فالإسراع في إجراءات البحرنة والإحلال والتزام الدولة بتوظيف الخريجين بنسب معقولة والضغط أكثر على القطاع الخاص في إعطاء الأولوية للوظائف للبحرينيين سوف يسهم من دون أدنى شك في توفير المزيد من فرص العمل للبحرينيين والحد من انعكاسات ظاهرة العمالة الأجنبية السائبة، وأعتقد أن هذه هي وصفة مواتية للتعامل مع أزمة البطالة والآثار السلبية لوجود الآلاف من العمالة الأجنبية السائبة في البلاد. 

مشاركة :